السيدة فضة، خادمة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وأهل البيت، كانت واحدة من الشخصيات التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بأئمة أهل البيت (عليهم السلام) نشأت في بيت النبوة والرسالة، حيث نهلت من أدبهم وعلومهم وفضائلهم، مما جعلها مثالاً حياً للتقوى والإيمان، بحكم ملازمتها المستمرة للسيدة الزهراء (عليها السلام)، اكتسبت فضة معرفة عميقة بمقام أهل البيت وتعلمت منهم أخلاقهم الكريمة، مما جعلها تجسد معاني الكمال والفضيلة.
ظلّت السيدة فضة وفية لمولاتها بعد شهادة السيدة الزهراء (عليها السلام)، وواكبت السيدة زينب (عليها السلام) في جميع مراحل حياتها، بما في ذلك مشاركتها في واقعة الطف، حيث كانت شاهداً على الفاجعة الاليمة في كربلاء، ومع السبايا، نُقلت فضة إلى الشام، حيث بقيت إلى جانب السيدة زينب بعد حادثة الطف، وعاشت معها السنين التي تلت تلك الواقعة المأساوية، وعندما توفيت السيدة زينب، بقيت السيدة فضة ملازمة لقبرها، وقد جاورت قبرها في الشام حتى وفاتها، حيث دفنت في مقبرة باب الصغير في دمشق.
أما في كربلاء، فقد خُلدت ذكرى السيدة فضة في مقام خاص يقع في محلة باب النجف داخل مدينة كربلاء المقدسة، يقع هذا المقام داخل زقاق يُسمى زقاق شير فضة (وشير كلمة فارسية تعني اسد)، الذي يبعد حوالي 315 متراً عن العتبة الحسينية المقدسة، يقال إن سبب اختيار هذا الموقع كما يذكر البعض انهم سمعوا من ابائهم عن اجدادهم بأن الأسد كان يربض في هذا المكان وجاءته السيدة فضة وكلمته بشأن الأجساد ، ما جعل هذا المكان ذا رمزية خاصة،على الرغم من عدم وجود تواريخ دقيقة لبناء المقام، إلا أن المشهور أن عمره يقدر بنحو 150 عاماً.
مقام السيدة فضة تم بناؤه في واجهة دار (الحاج مهدي قلي) وسط الزقاق، وتم تجديده بعد سقوط النظام البائد في عام 2003 من قبل المحسن صاحب الدار، كما هو مدون على جدار المقام، تم تغليف واجهة المقام بالمرمر الأبيض بارتفاع 1,20 متر، بينما يوجد في الأعلى لوحة فنية تُظهر صورة أسد رابض خلفه خيام، وهو مشهد يعكس رمزية القصة، من جانب المقام الأيسر، توجد كتيبة مكتوب عليها "حسين مني وأنا من حسين"،أما من الجانب الأيمن، فقد وُضعت قبة مغلفة بالكاشي الكربلائي الأخضر، مزخرفة بآيات من القرآن الكريم، مما يعكس الجوانب الدينية والروحية لهذا المقام المقدس.
المقام يتسم بلمسات فنية وتاريخية تزداد قيمة بتراكم الأيام، حيث ارتكزت قبة المقام على حزام أسطواني مغلف بالمرمر الأونكس الأخضر، وتحتوي وسط الحزام على شباك من الكروم يتم وضع النذور فيه، كما يتضمن المقام مصلى صغير، مما يتيح للزوار التفاعل الروحي والتعبير عن إيمانهم في هذا المكان الذي يُعتبر رمزاً من رموز الولاء لأهل البيت (عليهم السلام).
راجع
عبد الأمير القريشي،المراقد والمقامات في كربلاء، بيت العلم للنابهين،بيروت،2008،ط1،ص190