يحتلّ المستشرق الألماني البارز "يوليوس فلهاوزن" مكانة مرموقة في دراسات التاريخ الإسلامي المبكر، غير أن قراءاته لأحداث الكوفة قبيل واقعة كربلاء ما تزال تُثير نقاشاً واسعاً بين الباحثين، خصوصاً ما يتعلّق بموقف أشراف الكوفة ودورهم في المراحل التي مهدت لفاجعة الطف.
ويرى فلهاوزن أن أشراف الكوفة، على الرغم من ميلهم الظاهر ضد الحكم الأموي، إلا أنهم كانوا يحرصون قبل كل شيء على الحفاظ على منافعهم الضيقة ومراكزهم القبلية، ويذهب إلى أن بعضهم – أمثال عمرو بن الحجاج، ومحمد بن الأشعث، وشبث بن ربعي – مارسوا دور “الشرطة الأوفياء للأمويين” لضبط الناس وتهدئة القبائل، رغم أن كثيراً منهم كانوا من الذين دعوا الإمام الحسين إلى القدوم للكوفة.
لكن هذه الصورة – بحسب باحثين ومصادر تاريخية موثوقة – تتضمن ثغرة جوهرية، إذ إن أشراف الكوفة لم يكونوا في أي لحظة ضد الأمويين بعد دخول مسلم بن عقيل إلى المدينة، بل كانوا على العكس تماماً، أول المبايعين لابن زياد، وأقرب الداعمين له داخل القصر.
ويورد الطبري، في روايات دقيقة، أن أشراف الكوفة سارعوا إلى دعم سلطة ابن زياد فور إعلان مسلم بن عقيل ثورته، فقد اجتمع حول ابن زياد عدد من قادة القبائل وزعمائها، وكانوا – بحسب النص التاريخي – “مناصحين لابن زياد” داعين إيّاه للظهور أمام الناس وتثبيت سلطانه.
وتكشف الرواية أن ابن زياد استدعى الأشراف خصيصاً وأمرهم بالصعود إلى سطوح القصر، لمخاطبة الناس وترهيبهم عبر التلويح بالحرمان والعقوبة، مع ادّعاء وصول جند الشام كوسيلة ضغط نفسية لم تكن حقيقية، لكنها مثّلت أحد أبرز أدوات السيطرة التي نفّذها الأشراف بأنفسهم.
وهذه الوقائع التاريخية تنسف بصورة واضحة ما ذهب إليه فلهاوزن حول “عداء الأشراف للأمويين”، وتظهر أنهم كانوا الذراع الأساسية لترسيخ السلطة الأموية، وأن مواقفهم لم تُبنَ على قناعة سياسية أو مبدئية، بل على خشية فقدان النفوذ القبلي والمكاسب الاجتماعية.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور التاريخي، قسم التاريخ الإسلامي، 2020، ج8، ص56-57.