تشهد كربلاء المقدسة تكراراً ملحوظاً للعواصف الغبارية خلال أشهر الصيف الحارة، نتيجة عوامل مناخية معقدة تتداخل فيها طبيعة التربة، والكتل الهوائية، وشدة الرياح، وارتفاع درجات الحرارة، بحسب الدراسات البيئية الخاصة بمنطقة المحافظة.
وتشير البيانات المناخية المنشورة عبر موسوعة كربلاء الحضارية الصادرة عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث، إلى أن شهري نيسان وأيار يمثلان ذروة بداية الموسم الغباري، حيث بلغ معدل تكرار العواصف خلالهما (1.7 – 2 يومياً)، مقارنة بشهر آذار الذي سجل (1.1 يوم) فقط، ويعود هذا الارتفاع إلى تأثر المنطقة بالكتل القطبية والمدارية التي تسمح لمنخفضات العروض الوسطى بالوصول إلى العراق، مسببة نشاطاً واضحاً للعواصف.
أما في حزيران وتموز، فتسجل كربلاء واحدة من أعلى نسب الظواهر الغبارية، إذ بلغ معدل تكرارها (8، 13–14،9 يوماً)، نتيجة الارتفاع الشديد في درجات الحرارة والذي يؤدي إلى تكوين منخفضات حرارية سطحية ترفع ذرات التربة المفككة، خاصة مع غياب الأمطار وزيادة التبخر في هذا الفصل، إضافة إلى طبيعة التربة الرملية في المنطقة.
وتوضح الدراسات أن الغبار المتصاعد يرتفع إلى نحو (15) متراً إذا كانت دقائق الغبار متوسطة أو كبيرة الحجم، ومع رياح تصل إلى 25 كم/ساعة. أما في الحالات النادرة التي تتجاوز فيها سرعة الرياح 50 كم/ساعة مع دقائق غبار صغيرة جداً، فيمكن أن ترتفع الجزيئات إلى (1000) متر في الهواء.
وفي المقابل، يشكل الغبار العالق إحدى الظواهر الأكثر استمراراً، إذ يبقى معلقًا في الجو ساعات طويلة قد تصل إلى (15) ساعة، ويبلغ تركيزه في الهواء بين 5600 – 7490 ميكروغرام/م³، وتظهر هذه الظاهرة عادة عند وصول الغبار من مناطق أخرى عبر الرياح النشطة مع ضعف القدرة المحلية على ترسيبه.
ويبلغ المعدل السنوي لتكرار الغبار العالق في كربلاء 93 يوماً، وهو رقم مرتفع يرتبط بهيمنة الرياح الشمالية والشمالية الغربية على العراق بنسبة تصل إلى 80%، مع متوسط سرعة يتجاوز 27 كم/ساعة، وهي سرعة كافية لإثارة الغبار ونقله لمسافات بعيدة.
وتبدأ الظواهر الغبارية بالانخفاض التدريجي اعتباراً من آب وأيلول، إذ تتراجع معدلات التكرار إلى (4.6 – 9.5 يوماً)، فيما ينخفض الحد الأدنى خلال كانون الأول إلى يوم واحد فقط، نتيجة هطول الأمطار، وارتفاع الرطوبة، وانخفاض درجات الحرارة، وزيادة تماسك التربة.
وتؤكد هذه المؤشرات أن كربلاء تُعد ضمن أكثر المناطق تعرضاً للغبار في العراق خلال الصيف، مما يستدعي وضع خطط بيئية وصحية خاصة للحد من آثار هذه الظاهرة على السكان، وخصوصاً الفئات الهشة ومرضى الجهاز التنفسي.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور الجغرافي، 2017، ج1، ص145-149.