في مشهد تاريخي لم يكن يشبه أي حدث سياسي عابر، خرج الإمام الحسين بن علي "عليهما السلام" ليقلب معادلة الصمت والخنوع، ويؤسس بدمه الطاهر، مشروعاً إصلاحياً خالصاً، بعيداً عن الأهواء والنزاعات السلطوية.
ولم تكن هذه الثورة الخالدة مجرّد ردّ فعل على تسلّط بني أمية، بل إعلاناً صريحاً عن بداية عهد جديد يقوم على الأمر بالمعروف والعدل وسيرة النبوة والوصاية.
"ما خرجت أشِراً ولا بطراً..."، بهذه الكلمات الخالدة رسم سبط النبي الأكرم "صلوات الله عليهما" معالم حركته الإصلاحية، محدّداً هدفه بإصلاح ما فسد من أمر الأمة، وإنهاء حالة الانحراف السياسي والديني الذي تفشّى في جسد الدولة الإسلامية.
كما لم تنطلق ثورة كربلاء من فراغ، بل من عمق تاريخي واجتماعي واقتصادي معقّد، يمتد إلى ما قبل الإسلام نفسه، فالصراع بين بني هاشم وبني أمية، لم يكن خلافاً عائلياً، بل معركة قيم ورؤى متناقضة بين النبوّة التي جاءت بالرحمة والعدالة، والملك الذي تسلّط بالقوة والاستئثار.
وكان الإسلام الذي مثّله بنو هاشم في قيادته وقيمه، غير مرغوبٍ لدى الأمويين من طلاب المكاسب، فقاوموه بشراسة حتى أُجبروا على الدخول فيه بعد فتح مكة، وهم لا يزالون يكنّون العداء لأهله، ويترصّدون اللحظة للانقضاض عليهم، وقد سنحت لهم تلك الفرصة بعد مقتل عثمان، فكان معاوية بن أبي سفيان رأس الحربة في مشروع إحياء الملك الأموي القديم، مستخدماً أساليب المكر السياسي والمراوغة.
وبعد عقود من المظلومية والإقصاء، عاش فيها العراقيون وخصوصاً أهل الكوفة، ومن ويلات القمع والحرمان تحت حكم معاوية، لم يجدوا أملاً في الخلاص إلا بكتابة الرسائل إلى الإمام الحسين "عليه السلام"، يستنصرونه على الطغيان اليزيدي، حيث لبّى الإمام "عليه السلام"، النداء رغم علمه بكلفته العالية، فكانت كربلاء هي لحظة الحقيقة التي أزالت أقنعة الدولة الأموية، وكشفت زيفها أمام الأمة جمعاء.
ورغم أن الإمام لم يحقّق نصراً عسكرياً مباشراً، إلا أن ثورته أنتجت وعياً رسالياً ظلّ يتنامى حتى أسقط الدولة الأموية بعد سنوات، لتحلّ محلها الدولة العباسية التي إتكأت على ما حدث للإمام الحسين وآل بيته "عليهم السلام".
المصدر: سعيد رشيد زميزم، رجال ثأروا لدم الحسين، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2021، ص16-17.