بين حرارةٍ مستعرة ومناخٍ شديد الجفاف تعيشهما مدينة كربلاء المقدسة، تتشكّل ملامح الأرض وتُعاد صياغة الطبيعة بصمتٍ مطبق، حيث يعمل المناخ كأداة نحتٍ لا تهدأ.
وتُعدّ العوامل المناخية من أبرز المحددات في تشكيل الظواهر الأرضية وتطورها، ولا سيما في البيئات الصحراوية التي تتسم بالتطرف المناخي، كما هو الحال في كربلاء، فالمناخ لا يقتصر دوره هنا على درجات الحرارة أو معدلات الأمطار، بل يمتد ليُحدد أنماط العمليات الجيومورفية مثل التجوية، التعرية، الانهيارات الأرضية، والترسيب.
وبحسب بيانات محطة كربلاء المناخية، التي اعتمدت عليها موسوعة كربلاء الحضارية الصادرة عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث ضمن جهوده في تحليل طبيعة مناخ المحافظة، فقد تم استخدام معادلة "دي مارتون" لقياس معامل الجفاف، حيث سجلت النتيجة (2.72)، وهي قيمة تضع كربلاء ضمن المناطق شديدة الجفاف، وفق التصنيف المناخي للبيئة الصحراوية.
هذا المناخ الصحراوي يترك آثاره جليةً في تفاصيل الأرض، فمتوسط درجة الحرارة السنوية في كربلاء يبلغ (24.1) درجة مئوية، بينما لا يتجاوز مجموع الأمطار الساقطة في السنة الواحدة (92.9) ملم فقط، وهي كمية شحيحة لا تكاد تكفي لنمو نباتات طبيعية أو تغذية مصادر المياه الجوفية.
ومع الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، ينشط التبخر بشكل ملحوظ، وباستخدام معادلة "إيفانوف"، قُدر معدل التبخر السنوي بنحو (226.9) ملم، وهو رقم عالٍ يشير إلى خسارة كبيرة في الرطوبة، تفضي إلى تشكل "السبخات" المالحة، وتفاقم ظاهرة التعرية الريحية التي تُعيد تشكيل سطح الأرض بشكل مستمر.
ولأن العمليات الجيومورفية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعناصر المناخ كالرياح، والحرارة، والأمطار، فإن كل تغير في هذه العناصر ينعكس مباشرة على شكل الأرض وبنيتها، حتى في المناطق التي تتشابه في تضاريسها أو نوع صخورها.
وبهذا، لا يُعدّ مناخ كربلاء مجرد حالة طقسية عابرة، بل هو فاعل جيولوجي صامت يعيد تشكيل الطبيعة ووجه الجغرافيا في كل موسم، حاملاً معه آثار الجفاف، ونفحات الغبار، وقصص الأرض القاحلة.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور الجغرافي، 2017، ج1، ص83-84.