لم تُعرَف مدينة كربلاء بعطرها الروحي والتاريخي وحسب، بل أيضاً بتنوع تضاريسها الطبيعي المدهش والذي يقسّم سطحها إلى عالمين جغرافيين متباينين، أولهما سهلٌ رسوبيٌ منبسط، وثانيهما هضبة غربية تُعلن عن حضورها بصخورها وجروفها الشاهقة.
في القسم الشرقي من المدينة، يمتد السهل الرسوبي وكأنه صفحة أرضية هادئة، حيث لا يكاد التضرس يُذكر، ففي شمال هذا السهل لا يتعدى الارتفاع (٣٥) متراً عن مستوى سطح البحر، وينخفض تدريجياً كلما اتجهنا جنوباً ليصل إلى (٢٥) متراً.
هذا الانحدار البسيط بمعدل متر واحد لكل ١٠ كيلومترات، يجعل السهل أشبه ببساط طبيعي تنسج عليه الزراعة والحياة الريفية خيوطها اليومية.
لكن رغم هذا الانبساط، لا تخلو الأرض من تفاصيلها الدقيقة، فبالقرب من شط الهندية وجدوليّ الحسينية وبني حسن، تظهر "كتوف الأنهار" كأشرطة طبيعية مرتفعة، تعكس رواسب السنين وتاريخ تدفق المياه، كأنها حواجز طبيعية تُبرز التنوع الدقيق في تضاريس السهل.
أما القسم الأوسط والغربي، فيحمل طابعاً مغايراً تماماً، فهناك تبدأ الهضبة الغربية بإظهار ملامحها الجيولوجية، بارتفاع يتراوح بين (٣٥ -١٢٥) متراً فوق مستوى سطح البحر.
وتنحدر الهضبة من الجنوب نحو الشمال بمعدل متر واحد لكل (٨٧٥) متراً، ومن الغرب نحو الشرق بميل أكثر وضوحاً، مقداره متر واحد لكل (٦١٣) متراً، في رحلة طبيعية تنتهي عند بحيرة الرزازة.
وتبرز في هذه المنطقة ميزة جغرافية لافتة، تتمثل بالجرف الصخري المعروف بـ "طار السيد"، والذي يمتد على مسافة (٦٠) كيلومتراً من جنوب بحيرة الرزازة حتى الأجزاء الجنوبية الغربية من المحافظة.
هذا الجرف ليس مجرد ارتفاع صخري، بل لوحة من التضرس الشديد الذي يتراوح بين (٨٠ -١٨٠) متراً فوق سطح البحر، مما يجعله معلماً جيومورفولوجياً فريداً وشاهداً على التكوين الجيولوجي العميق للمكان.
وبهذا التنوع الطبيعي، تُظهر كربلاء كيف أن الجغرافيا ليست مجرد خلفية صامتة للتاريخ، بل هي شريك في صناعته، ترسم معالم الأرض كما ترسم القيم والذاكرة.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور الجغرافي، 2017، ج1، ص81-82.