في رواية نادرة انفرد بها المؤرخ "أَبُو ٱلْحَسَن عَلِيّ بْن ٱلْحُسَيْن بْن عَلِيّ" المعروف بـ "المسعودي" دون سندٍ واضح، جاء فيها أنه "كان مع الحسين (عليه السلام) حين التقى بجيش عمر بن سعد خمسمائة فارس من أهل بيته وأصحابه، ومئة راجل".
هذا وقد فتح هذا الرقم الصادم الباب لجدل واسع حول مصير ستمائة مقاتل بالمجمل في صف الإمام الحسين، وعن السبب وراء إغفالهم في بقية الروايات التاريخية المعتبرة.
ويرجّح كتاب "أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك... جدلية العدد" للأستاذ الحاج "عبد الأمير القريشي"، أن رواية "المسعودي" تعرّضت لأحد احتمالين خطيرين، أولهما التصحيف بين "خمسة" و"خمسمائة" كما أشار لذلك العلامة الشيخ "محمد مهدي شمس الدين"، وهو احتمال وارد جداً بسبب التشابه في الخط الكوفي بين الرقمين.
أما الإحتمال الثاني، فهو السقوط المتعمّد أو غير المتعمّد في سرد الأحداث، فالمسعودي نفسه يذكر في نهاية روايته أن عدد من استُشهد مع الحسين يوم عاشوراء بلغ (87) فقط، مما يتناقض جذرياً مع فكرة وجود ستمائة مقاتل معه قبل الموقعة.
وتقول الرواية إن اللقاء جرى في منطقة "القادسية" مع "الحر بن يزيد التميمي"، حيث أُبلغ الإمام "عليه السلام" باستشهاد مسلم بن عقيل، وهاني بن عروة، وعبد الله بن يقطر "رضوان الله عليهم".
وهنا بدأ الانسحاب الجماعي لكثير من المناصرين، وخاصةً من الذين التحقوا في الطريق، خوفاً أو تردداً أو خذلاناً، مما يدعو الى التساؤل فيما إذا كان العدد كبيراً بالفعل قبل القادسية.
ووفقاً للمصادر، فحتى إن صح هذا الرأي، فالراجح أن من تبقّى مع سبط رسول الله "صلوات الله عليهما" إلى كربلاء كانوا العشرات فقط، لا المئات.
وهنا يأتي التحقيق الذي أجراه "القريشي" في كتابه مستبعداً صحة رواية "المسعودي" بالكامل، مرجحاً أنه إما وقع فيها تحريف رقمي، أو كانت تصف فترة زمنية خاطفة قبل الانسحاب الكبير، أو أن تكون قد حُمّلت من الراوي بأكثر مما تحتمل.
لذلك، فإن العدد الأقرب للواقع – كما تؤكده معظم المصادر المحققة – لا يتجاوز الثمانين إلى التسعين مقاتلاً فقط، كما تناولته مجموعة من الحلقات السابقة.
وبهذا تمثل رواية "المسعودي" نموذجاً للخلط والتضخيم الذي طال واقعة كربلاء في بعض الكتب، سواء بنية التهويل أو بسبب أخطاء التوثيق والنقل. لكن ما بقي ثابتاً ومؤكداً هو إن الحسين لم ينتصر بالكثرة، بل بصفوة القلة، فهو الذي ما خرج أشِراً ولا بطراً، وإنما لطلب الإصلاح في أمة جده رسول الله "صلى الله عليه وآله".
المصدر: عبد الأمير عزيز القريشي، أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك – جدلية العدد، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2022، ص83-85.