في كتابه المعنون بـ "أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك – جدلية العدد"، يكشف الأستاذ الحاج "عبد الأمير القريشي"، عن نموذج تاريخي حي يسقط أكبر أكذوبة رددها المشككون، ألا وهي عدم معقولية أن يحشد ابن زياد ثلاثين ألفاً لقتال اثنين وسبعين رجلاً فقط!"
ويؤكد "القريشي" إن شواهد الواقع الحديث تنسف هذا الادعاء من جذوره، وتُظهر أن الخوف من الحق لا يقاس بعدد الخصوم، بل بهيبته في نفوسهم، ففي عام 1397هـ / 1977م، نفرَ الآلاف من المؤمنين الرساليين مشياً إلى كربلاء في أربعينية الإمام الحسين، متحدين أوامر نظام البعث الفاشي الذي منع المسيرات الحسينية.
لم يكن هؤلاء الزوار يحملون السلاح، ولم يرفعوا غير شعار "لبّيك يا حسين"، لكن الرد البعثي كان بطائرات حربية، وفرق مشاة ودروع، متبوعة بهجوم عسكري على منطقة "خان النخيلة"، حيث سقط الشهداء، وسالت الدماء، فيما هتف الأحرار وسط أزيز الرصاص "شلون سلطة يا علي بالرشاش ترمينا؟!".
فإذا كانت ثُلّة من المشاة الزائرين قد أرعبت نظاماً مدججاً، فهل يستكثر على الحسين أن يُحشد ضده جيشٌ من ثلاثين ألفًا؟!.
أما الشاهد الثاني، فهي الإعلان في 8 صفر 1413هـ / 1992م، عن رحيل المرجع الأعلى السيد أبو القاسم الخوئي "قده"، فما كان من نظام الطاغية صدام إلا أن يعلن الإنذار (ج) في عموم العراق، واستنفر مليون مجند من الجيش النظامي، معززين بكتائب الإجرام المسماة بـ "الجيش الشعبي" و"فدائيو صدام"، ليتبعها بفرض حظر للتجوال ومنع تشييع الجنازة، فكان كل هذا الرعب، لمواجهة جنازة رجل واحد، فكيف بمن خرج للحياة والموت من أجل إحياء دين محمد؟
وهكذا يظهر جليّاً أن كربلاء لم تكن معركة أرقام، بل معركة قضية، ودم، وولاء، وثبات، وأن الرعب الذي زرعه الحسين في قلوب الطغاة، لم يكن بعدد من معه، بل بما يمثله في وجدان الأحرار إلى يوم القيامة.
المصدر: عبد الأمير عزيز القريشي، أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك – جدلية العدد، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2022، ص77-78.