في كل زمان، حينما تُهزم الحجة، يُستدعى "العدد" سلاحاً بديلاً، فيُقال إنه “كيف يواجه الإمام الحسين بثلاثة وسبعين مقاتلاً جيشاً من ثلاثين ألفًا؟!
ويُلمح بعضهم بخبث إلى أن هذا العدد "أسطورة"، أو "مبالغة"، ظناً منهم أن الحق يُقاس بالجماهير، لا بالثبات والمبدأ، لكن التاريخ الإلهي لا يرحم هذه المعايير المزيفة.
هذا وقد كشف كتاب "أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك... جدلية العدد"، منهجاً خطيراً يتستر بثياب الدفاع عن الإمام "عليه السلام"، ليطعن قضيته من حيث لا يُشعر، فبعدما عجز الإعلام الأموي عن طمس الطف بالسيف، خرجت أقلام مشبوهة تطعن بالروايات، وتستهزئ بعدد الأنصار بحجة "العقلانية"، أو "النقد العلمي".
ووفقاً للكتاب فإن الحقيقة الصادمة، هي أن قلة الناصر ليست عيباً، بل هي جوهرُ الابتلاء الرباني، ففي كل رسالة سماوية، كان المصلح قليل الأنصار، كثير الخصوم، ولم يكن ذلك نقصاً، بل ميزان تمحيص بين من يثبت ومن يفر.
ومن الأمثلة الجلية على هذا الطرح، هي أن نبي الله نوحاً "عليه السلام"، دعا قومه (950) عاماً، فلم يؤمن معه إلا قليل، إذ قال: ﴿رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا... فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا﴾ (نوح: 5).
وكذلك في قصة نبينا هود "عليه وعلى نبينا وآله السلام"، أنه جوبه بالسخرية والاتهام بالجنون، فقالوا له: ﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ﴾ (الأعراف: 66)، وصالحاً "عليه السلام"، إذ طلب قومه آية، فجاءت الناقة، فذبحوها، قائلين: ﴿إِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ (هود: 62).
أما إبراهيم الخليل "عليه السلام"، فقد أُلقي في النار لأنه حاور قومه بالحجة، حيث يقول الباري "جل وعلا": ﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ﴾ (الأنبياء: 68)، كما عانى موسى الكليم "عليه السلام" من قومه حتى قال لهم يائساً: ﴿يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي؟﴾ (الصف: 5)، في حين خان عيسى "عليه السلام" قومُه ودلّوا عليه للقتل، إذ قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ؟﴾ (آل عمران: 52).
ومن هذا المنطلق، فهل يُستكثر على وارث الأنبياء، الإمام الحسين "عليه السلام" في محنته، أن يكون كآبائه الأطهار؟، وهل يُستهجن أن ينصره ثلاثة وسبعون مخلصاً، بينما يتخاذل الآلاف من أهل الكوفة؟، مما يستدعي التأكيد على إن قلة الناصر لا تعني ضعف الإمام "عليه السلام"، بل تعني أن الحق لا يُقاس بالكثرة، وإنما بمن باع دنياه لآخرته، ونفسه لربه.
المصدر: عبد الأمير عزيز القريشي، أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك – جدلية العدد، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2022، ص69-71.