إنَ أهم ما يُلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
وجود خلق غير مادي من الملائكة والجن وتفاعله مع الانسان
وجود خلق آخر لله غير مادي وتفاعله مع الانسان في هذه الحياة.
قد علمت أن الكائنات المخلوقة لا تنحصر بما هو من سنخ هذا الوجود المادي – من الانسان وسائر الموجودات المرافقة له في هذه الحياة – بل هناك موجودات ألطف منه تتفاعل مع الانسان وتشعر به ولو من حيث لا يحتسب كما تضمنته سائر الرسائل الإلهية إلى خلقه، والاطلاع على ذلك ينفع في التفات الانسان إلى خريطة الوجود والاطلاع على موضعه منها، ويظهر له عظمة الله تعالى في الآفاق الغائبة عنه. مضافاً إلى أن لهذه الكائنات إيحاءات نفسية إيجابية وسلبية على الإنسان وهي صنفان:
الأول: الملائكة، وهي موجودات خيرة تعمل جنوداً لله تعالى في هذه الحياة وفي الآخرة، وهي على أقسام بعضها متفرغ لعبادته وبعضها موكل بعمل محدد بإذنه سبحانه وتعالى كإنزال الوحي على الأنبياء أو قبض الأرواح وغير ذلك. ومنها ما يقف على حال الإنسان وتحفُّ به عند الاعمال الفاضلة وتوحي إليه بإيحاءات الثبات والاستقامة، وتستغفر له وترجو له حسن العاقبة وقد تعينه إعانة مادية بإذن الله تعالى، كما قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ.....))، وقال سبحانه : ((الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)).
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص68 - 69.