إنَ أهم ما يُلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
(الحكمة 9): إن من شؤون الاهتمام النفسي والسلوكي بالشيء هو الاستعداد لهذا الاهتمام، ومن وجوه الاستعداد له أن يتأمل مقدمات الشيء ومقتضياته النفسية والخارجية لكي يكون تحريه إياه على وَفقِ منهج معقول ونظام مناسب فلا يخبط خبط عشواء.
وعلى ذلك يجري العقلاء في أغراضهم التي تحتاج إلى التنبؤ لها، فهم يسعون من أجل الدفاع عن أنفسهم وأعراضهم إلى التحلي بالشجاعة والبسالة والدربة، ويوفرون أدوات الحرب ويبحثون عن إمكانات العدو وما ينقضها وهكذا، كما يتصدون من أجل العلاج من الأمراض لتعلم مقتضيات الطبابة وتحصيل الممارسة فيها والتحلي بالخلق المناسب لمقام العلاج، وعلى هذا المنوال يجرون في سائر مقاصدهم.
ومن زعم أن له مقصداً عظيماً ولم يتهيأ له فقد ناقض نفسه وكان مخادعاً لها أو مختلطاً.
ومقدمات الشيء على ضربين:
* مقدمات يحرز المرء توقف الشيء عليها، فتلك لا شك في لزوم تحصيلها.
* مقدمات لا يحرز المرء توقف الشيء عليها ولكنه لا يحرز وصوله إلى المقصد من دونها، وهي أيضاً لازمة التحصيل بحكم العقل والفطرة، فإن من طلب شيئاً لزمه إحرازه، فمن رام أن يتعالج من مرض لم يكف أن يستعمل الدواء بمقدار يحتمل أن يُشفى معه، بل لا بد أن يستعمل منه ما يحرز سلامته به.
وتلك قاعدة بديهية في الحياة، ولذلك ذكر الأصوليون وجوب تحصيل المقدمات العلمية، ويعنون بها ما يتوقف العلم بحصول الشيء المقصود عليها، وقالوا: (إن إحراز التكليف بشيء يقتضي إحراز امتثاله).
ويتفرع على ذلك أن على من آمن بالحقائق الكبرى في الحياة، ورأى أن حياته في هذه النشأة الدنيا سفر إلى الآخرة وجب عليه أن يسعى إلى تأمل مقتضياتها والاستعداد المناسب لها، بتحصيل ما يوجب تقوية الاعتقاد بها، والوقوف على سنن الحياة في خيراتها وشرورها ومعرفة النفس وشؤونها ومحاسبتها.
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص43- 44.