إنَ أهم ما يُلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
النظام العام للحكمة (معادلة درجة الإدراك والمدُرك ومقدار المؤونة)
الحكمة (1): مضمون هذا النظام معنى بسيط وبديهي واحد، وهو أن اهتمام الإنسان بالأشياء ينبغي أن يكون بمقدار اطلاعه عليها، وأهميتها له مع ملاحظة مؤونة تحصيلها عليه، فمن اهتم بالشيء فوق أهميته أو تسامح في الاهتمام به على حساب غيره مما دونه فقد صادم وجدانه وتمت الحجة عليه في ميزان العقل، وتحمّل مسؤولية عمله لدى العقلاء.
وعلى هذا يمكن القول بأن ما يحدد الاهتمام اللائق بالشيء أمور ثلاثة: درجة الإدراك، ودرجة الشيء المدرك، ومقدار المؤونة التي لا بدّ من بذلها لتحصيله.
فهناك موازنة جارية بين هذه العناصر الثلاثة، بمعنى أنه كلما كان الشيء أوضح انكشافاً وأقوى إحرازاً وأقل مؤونة اقتضى ذلك زيادة في الاهتمام به عما لو لم يكن بتلك الدرجة، كما إنه كلما كان الشيء أكثر أهمية كفى في لزوم الاهتمام به مرتبة أدنى من إدراكه، ولزم بذل مؤونة أكبر من أجله إذا احتاج إليها، فهذا هو قانون الموازنة بين الإدراك والمدرَك والمؤونة الذي تبتني عليه أمور الحياة كلها.
وعلى ذلك تعتمد قاعدة الموازنة بين الاحتمال والمحتمل والمؤونة في الاهتمام بالأشياء المحتملة مثل الأخطار والأضرار، فمن عمل ضرراً يلاحظ مرتبة احتمال، والتي تبدأ بما فوق مرتبة الصفر- الذي لا يكون الشيء معه محتملاً- إلى ما قبل مرتبة العلم بالشيء الذي يكون معه مجزوماً به مائة في المائة.
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص29