تبوأت مدينة كربلاء مركزاً علمياً مرموقاً عني بالدراسات الإسلامية وكان لها دورها التاريخي البارز في أحقاب زمنية مختلفة في الدراسات العلمية والدينية، اذ لم تكن العتبان المقدستان (الحسينية والعباسية) مكاني عبادة فقط، بل كانتا مدرستين يلتحق بها الطلاب حول مدرسيهم للتزود من علوم اللغة العربية والشريعة الإسلامية وفيها عقدت المجالس الأدبية والمهرجانات الخطابية وفي الصحنين الشريفين مكتبات تعرض فيها للبيع نوادر المخطوطات العربية واحتفظ العلماء والأدباء في مساكنهم بمكتبات تضم مختلف المؤلفات بين مخطوط ومطبوع.
تأسست المدارس الإسلامية في عموم المدن التي كانت تحت سيطرة حكم البويهيين في إيران والعراق وخصوصاً في المدن التي يقطنها الشيعة ويؤكد بعض الكتاب أن أول مدرسة إسلامية شيدت في العراق كانت في كربلاء وهي المدرسة العضدية من قبل عضد الدولة البويهي عند زيارته للمدينة وتجديده لبناء الروضة الحسينية سنة (369هـ/ ٩٨٠م) وكان موقعها بجانب مسجد رأس الحسين الذي شيده عضد الدولة ايضاً بالقرب من باب السدرة احد أبواب الروضة الحسينية وبقيت هذه المدرسة حتى حكم الصفويين للعراق، بل أصبحت تحت رعايتهم وعنايتهم وبزوال حكمهم آلت إلى الخراب.
کما شید عضد الدولة البويهي سنة (٣٧١هـ/ ٩٨٢م)، مدرسة أخرى في مدينة كربلاء بجانب الصحن الصغير الذي بناه وألحقه بصحن الروضة الحسينية من جهة الشرق وهو موضع مقبرة السلاطين من آل بويه.
أدى تطور الحركة الفكرية والدينية في القرن الثاني عشر الهجري واتساعها، فضلاً عن ازدياد عدد الطلاب خصوصاً من البلدان الإسلامية المختلفة، إلى انتشار المدارس العلمية الدينية في كربلاء فأخذت تتطور تطوراً سريعاً وكانت لها خصائصها وطابعها المتميز من حيث استقلال البناء وهندسته وإلحاق الأقسام الداخلية للطلبة وتطور مناهج الدراسة فيها وكانت تختلف عن حلقات المساجد والجلسات العلمية في البيوت، فأصبحت هي المكان المخصص للدراسة، كما يخصص مكان للسكن في وحدة معمارية وإدارية متكاملة
المصدر: موسوعة كربلاء الحضارية – المحور التاريخي – قسم التاريخ الحديث المعاصر – الجزء 5/1 – المدارس الدينية – ص 25-28