هاني بن عُروَة بن نمران بن عمرو المراديّ المذحجي، كان صحابيّاً كأبيه عُروَة، وكان هو وأبوه مِن وجوه الشيعة، وهاني أحد زعماء اليمن الكبار في الكوفة وأعيانها وكان من خواص الامام علي (عليه السلام) .
أدرك النبيَّ صلّى الله عليه وآله وتشرّف بصحبته، ثمّ صار مِن أصحاب أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام فشارك معه في: الجمل وصفيّن والنَّهروان، وكان مِن رَجَزه يوم الجمل:
يا لَكِ حرباً جَثّها جِمالُها
يقودهـا لنقصها ضَلالُها
هذا عليٌّ حولَه أقيالُها
بلَغَ عمرَو بن الحجّاج شائعةُ أنّ هانيَ بنَ عروة قد قُتل، فأقبل في مَدْحِج حتّى أحاط بقصر عبيد الله ومعه جمعٌ عظيم، فقال عبيد الله لشُرَيح القاضي: ادخُلْ على صاحبهم فانظُرْ إليه، ثمّ آخرُجْ فأعلِمْهم أنّه حيٌّ لم يُقتَل. فدخل شُريح فنظر إليه، فقال هاني لمّا رأى شُريحاً: يا لله يا للمسلمين! أهَلَكتْ عشيرتي ؟! أين أهلُ الدِّين، أين أهل المِصر ؟! والدماء تسيل على لحيته إذ سمع الضجّةَ على باب القصر، فقال: إنّي لأظنُّها أصواتَ مَذْحِج وشيعتي من المسلمين، إنّه إن دخَلَ علَيّ عشرةُ نفرِ أنقَذوني. فلمّا سمع شريح كلامه خرج إليهم فقال: إنّ الأمير لمّا بلغه كلامُكم ومقالتكم في صاحبكم، أمرني بالدخول إليه، فأتيتُه فنظرت إليه، فأمرني هاني أن ألقاكم وأُعرّفكم أنّه حيّ، وأنّ الذي بلغكم مِن قتلهِ باطل. فقال له عمرو بن الحجّاج وأصحابه: أمّا إذا لم يُقتَلْ فالحمد لله. ثمّ انصرفوا.
وبعد أن كان ما كان مِن أمرِ مسلم بن عقيل رضوان الله عليه وشهادته، فكّر عبيد الله بن زياد بقتل هاني بن عروة، فقال لجلاوزته: أخرِجوه إلى السُّوق فأضربوا عُنقَه. فأُخرِج هاني حتّى أُتيَ به إلى مكانٍ من السوق كان يُباع فيه الغنم وهو مكتوف، فجَعَل يقول: وامَذْحِجاه ولا مَذحِجَ ليَ اليوم! يا مَذحِجاه يا مَذحجاه، أين مَذحج ؟! فلمّا رأى أنّ أحداً لا ينصره، جَذَب يده فنزعها مِن الكَتاف ثمّ قال: أما مِن عصاً أو سكّينٍ أو حجارةٍ أو عَظْم يُجاجِر به رجلٌ عن نفسه ؟! فوثبوا إليه فشَدُّوه وَثاقاً، ثمّ قيل له: امدُد عُنقَك، فقال: ما أنا بها بسخيّ، وما أنا بمُعينكم على نفسي. فضَرَبه مولى لعبيد الله بن زياد تركيّ يقال «رشيد» بالسيف، فلم يصنع شيئاً، فقال له هاني: إلى الله المعاد، اللّهمّ إلى رحمتك ورضوانك. ثمّ ضربه أخرى فقتله.
وكانت شهادة هاني بن عروة رضوان الله عليه في الثامن منِ ذي الحجّة سنة 60 هجريّة، وهو اليوم الذي خرج فيه الإمام الحسين عليه السّلام مِن مكّة متوجّهاً إلى العراق، وعمرُه يوم ذاك بضعٌ وتسعون، وقيل: تسع وثمانون، وقيل: ثلاثٌ وثمانون سنة، وكان يتوكّأ على عصا.
المصدر/ موسوعة كربلاء الحضارية، المحور التاريخي، قسم التاريخ الحديث والمعاصر، النهضة الحسينية، ج4، ص213.