في رواية لـ "عمار الدهني"، كما ينقلها المؤرخ "الطبري" عن الإمام الباقر "عليه السلام"، جاء فيها أن "أصحاب الحسين كانوا خمسة وأربعين فارساً، ومئة راجل".
وليس فقط لتواضع الرقم أمام جيش ابن زياد، ولكن لكونه صادراً من الإمام الباقر نفسه، والذي طلب منه عمار أن يسرد له الواقعة، بقوله إنه "حدثني عن مقتل الحسين كأّنني حضرته".
ورغم موثوقية الراوي والمصدر، فإن الشيخ "محمد مهدي شمس الدين" يعقّب بتحفّظ دقيق، قائلاً "هذا العدد كان عند نزول الإمام إلى كربلاء، لا يوم العاشر من المحرّم"، وهو بالأمر المنطقي، إذ أن المعركة بدأت بعد توافد أنصار إضافيين من أمثال زهير بن القين، والحر بن يزيد الرياحي وجماعته، وآخرين ممن انضموا في الساعات الأخيرة.
لكن السؤال يبقى حول ما إذا كان هذا هو العدد النهائي في ساحة المعركة، إذ أن الرواية توضّح أن العدد المذكور (145) مقاتلاً كان مع الحسين عند لقائه الأول بالحر بن يزيد الرياحي في موضع يُعرف بـ "جبل ذي حُسم"، بعد وصول نبأ استشهاد مسلم بن عقيل.
وهنا كان القرار المصيري، حيث قال الإمام لإخوة مسلم، ممن رفضوا العودة، وكانوا من القلائل الذين ثبتوا حتى النهاية، "لا خير في الحياة بعدكم..."
هذا وقد اعتمد عدد من كبار العلماء، هذه الرواية في كتاباتهم، وأبرزهم السيد "ابن طاووس" و"ابن نما الحلي" إذ رجّح كلاهما أن العدد المذكور (145) هو ما تبقى بالفعل مع الحسين حتى يوم العاشر من المحرم.
ووفقاً للتحليل الوارد في كتاب "أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك... جدلية العدد" للأستاذ الحاج "عبد الأمير القريشي"، فإن الرواية لا تتعارض جوهرياً مع بقية المصادر، بل تُظهر صورة تدريجية للمشهد.
وأوضح الكتاب أن البداية كانت بنحو (145) مقاتلاً، ثم تناقص العدد بعد تراجع البعض، فيما انضم مجاهدون جدد، حتى استقر العدد النهائي بين (72-87) شهيداً في يوم عاشوراء.
المصدر: عبد الأمير عزيز القريشي، أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك – جدلية العدد، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2022، ص86-88.