شهد مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) على مر العصور العديد من عمليات الهدم وإعادة الإعمار، بسبب الظروف السياسية والكوارث الطبيعية، وكانت العمارة الرابعة التي شيدها محمد بن زيد الداعي الصغير حاكم طبرستان نقطة تحول بارزة، أعادت للمرقد هيبته بعد سنوات من الإهمال والدمار، حيث بدأ مشروع إعادة الإعمار عام 280هـ، واستمر حتى 283هـ.
تميزت هذه العمارة ببنائها المتين وتصميمها الفريد، حيث شيد الداعي الصغير قبة عالية مصنوعة من الآجر والجص تعلو الضريح المقدس، وكانت هذه القبة تمتاز بضخامتها ومتانتها مقارنة بالعمارات السابقة، إضافة إلى وجود بابين رئيسيين يسهلان الدخول والخروج للزوار، كما تمت إضافة سقيفتين تحيطان بالمرقد، حيث خُصصتا كمصلى للزائرين، ما وفر مساحة أكبر لأداء الشعائر الدينية، ولم يقتصر البناء على الضريح فقط، بل تم إنشاء سور يحيط بالحائر لحمايته من أي اعتداءات خارجية، مع بناء منازل للمجاورين والزوار لتسهيل إقامتهم بالقرب من المرقد، وقد حرص الداعي الصغير على أن يكون البناء فخما ومزخرفا، ليعكس عظمة المكان وقدسيته، مستخدمًا أدق الأساليب المعمارية والزخرفية التي كانت معروفة آنذاك.
استمرت هذه العمارة شامخة حتى القرن الخامس الهجري، عندما اندلع حريق كبير عام 407هـ، أتى على أجزاء واسعة من الأروقة والقبة، مما استدعى إعادة ترميمها لاحقا، ومع ذلك، شكلت عمارة الداعي الصغير الأساس الذي قامت عليه التصاميم اللاحقة لمرقد الإمام الحسين (عليه السلام)، حيث أرست مفهوم (الحائر الحسيني) كمجمع عمراني ديني متكامل يضم الضريح ومرافق الخدمة للزوار، وهو النهج الذي استمرت عليه العمارات اللاحقة حتى يومنا هذا.
راجع
تحسين آل شبيب،مرقد الامام الحسين(عليه السلام)،دار الفقه،قم المقدسة،2000،ط1،ص145
زين العابدين سعد عزيز