و أحد القيّم الدينية المأمور بها شرعا و التي تخرج النفس من حالة الطمع و الجشع إلى حالة الجود و الكرم هي الضيافة و إطعام الطعام و الاستقبال وهو ما نشاهده بزخم في زيارة الأربعين على امتداد المواكب الحسينية و الحسينيات.
وبينما تلحظ في كثير من نقاط العالم و أمكنتها أمثلة للحرص و الطمع و الجشع ، تلحظ في الزيارة مظاهر الكرم و الجود و العطاء و السخاء ، و الشوق لضيافة الزوار ، و التسابق على خدمتهم و إطعامهم ، والعناية بهم و الاهتمام بهم بشكل فريد تخلو منه بقاع الأرض الأخرى.
و هذه القيمة الدينية مظهر حقيقي للزيارة الأربعينية ، ومن القيّم الدينية المأمور بها و تؤكد إيمان وعقيدة خدمة الأربعين ، و أنّ الله يعوض ما يعطون، و يخلف ما ينفقون، قال الله تعالى في كتابه الكريم : «قل إنّ ربّي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين»([1]).
و في الروايات كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «من صدق بالخلف جاد بالعطية»([2]) ، و أمير المؤمنين عليه السلام «من أيقن بالخلف جاد بالعطية»([3]).
وهذه قضية أساسية مهمة ولها آثارها في الدنيا و الآخرة، و رغم أنّ النبي صلى الله عليه وآله ذكرها و وصّى بها إلا أنّ أعداد كبيرة من المسلمين لا تعمل على تطبيقها و لا تختلق بخلقها ، إلا أنّ زيارة الأربعين و خدمة الأربعين تكسر جمود الحرص و تتعدى به إلى الكرم و الجود، وهذا مظهر حقيقي للزيارة الأربعينية.
و إكرام الضيف مأمور به فهو قيمة دينية اسلامية، و خدمة الأربعين و المواكب يسيرون على هدى الروايات و التعاليم الدينية و تطبيقها، فعن أبي عبد الله عليه السلام قال : مما علم رسول الله صلى الله عليه وآله فاطمة عليها السلام أن قال لها : « يا فاطمة من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه»([4]).
و في الروايات أنّ الضيف هدية الله لمن أحب ، فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
«إذا أراد الله بعبد خيرا أهدى لهم هدية، قالوا : وما تلك الهدية ؟ قال : الضيف ينزل برزقه ، ويرتحل بذنوب أهل البيت»([5]).
و إطعام الطعام من الموارد التي تجلب الرزق كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الرزق أسرع إلى من يطعم الطعام ، من السكين في السنام»([6]).
و السنام: واحد أسنمة الإبل ، و هو أعلى الظهر ، و التعبير كناية عن سرعة أثر الإطعام في رزق المطعم.
و في شجرة طوبى : «الرزق إلى مطعم الطعام أسرع من السكين إلى ذروة البعير»([7]).
و في البحار عن دعوات الراوندي عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله : «البركة أسرع إلى من يطعم الطعام من السكين في السنام»([8]).
و جاء في بحار الأنوار : قال الراوي : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت : جعلت فداك قد كان الحال حسنا وإن الأشياء اليوم متغيرة ، فقال : إذا قدمت الكوفة فاطلب عشرة دراهم ، فإن لم تصبها فبع وسادة من وسائدك بعشرة دراهم ، ثم ادع عشرة من أصحابك واصنع لهم طعاما ، فإذا أكلوا فاسألهم فيدعوا الله لك ، قال : فقدمت الكوفة ، فطلبت عشرة دراهم فلم أقدر عليها حتى بعت وسادة لي بعشرة دراهم كما قال ، وجعلت لهم طعاما ودعوت أصحابي عشرة ، فلما أكلوا سألتهم أن يدعوا الله لي ، فما مكثت حتى مالت علي الدنيا([9]).
و يسوق الضيف الرزق و يحمل الذنوب ففي الرواية قلت لأبي عبد الله عليه السلام : « الأخ لي أدخله منزلي ، فأطعمه طعامي ، وأخدمه بنفسي ، ويخدمه أهلي وخادمي ، أيّنا أعظم منة على صاحبه؟
قال: هو عليك أعظم منة ،
قلت : جعلت فداك ، أدخله منزلي ، وأطعمه طعامي ، وأخدمه بنفسي ، ويخدمه أهلي وخادمي ، ويكون أعظم منة على منى عليه ؟ !
قال : نعم ، لأنه يسوق إليك الرزق ، ويحمل عنك الذنوب»([10]).
و عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ذكر أصحابنا قوما فقلت :
« والله ما أتغدى ولا أتعشى إلا ومعي منهم اثنان أو ثلاثة أو أقل أو أكثر ،
فقال عليه السلام : فضلهم عليك أكثر من فضلك عليهم،
قلت: جعلت فداك كيف ذا ؟ وأنا أطعهم طعامي وأنفق عليهم من مالي ويخدمهم خادمي؟
فقال : إذا دخلوا عليك دخلوا من الله عز وجل بالرزق الكثير، وإذا خرجوا خرجوا بالمغفرة لك»([11]).
و في حديث للإمام الجواد عليه السلام ، قال: « أهل المعروف إلى اصطناعه أحوج من أهل الحاجة إليه لأنّ لهم أجره وفخره وذكره ، فمهما اصطنع الرجل من معروف فإنما يبدأ فيه بنفسه فلا يطلبن شكر ما صنع إلى نفسه من غيره»([12]).
و ذكرت الروايات أنّ الضيف يأتي برزقه فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: «الضيف يحل على باب القوم برزقه ، فإذا ارتحل ارتحل بجميع ذنوبهم»([13]).
و عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : «إن الضيف إذا جاء فنزل بالقوم جاء برزقه معه من السماء فإذا أكل غفر الله لهم بنزوله عليهم»([14]).
فهنيئا لخَدَمة الحسين عليه السلام من أصحاب المواكب هذا الشرف و الاخلاص و العطاء و الخدمة، وهنيئا لهم بهذا الرزق و محو الذنوب، وهنيئا لهم بشفاعة الحسين و أهل البيت عليهم السلام.
محمد جواد الدمستاني
28-ذي القعدة -١٤٤٣هجري الموافق 28 – 06- 2022 ميلادي
الهوامش
[1] - القرآن الكريم ، سورة سبأ ، 39
[2] - الكافي ، الشيخ الكليني (محمد بن يعقوب الكُلَيني)، ج 4، ص 2
[3] - نهج البلاغة ، الشريف الرضي ، باب الحكم ، حكمة رقم 138، و كذلك الأمالي ، الشيخ الصدوق (محمد بن علي بن الحسين بن بابويه) ، ص 532
[4] - الكافي ، الشيخ الكليني (محمد بن يعقوب الكُلَيني) ، ج 6 ، ص285
[5] - مستدرك الوسائل ، الميرزا النوري (ميرزا حسين النوري) ، ج 16 ، ص 258
[6] - الكافي - الشيخ الكليني ، ج 4 ، ص 51 ، و كذلك المحاسن ، أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، ج 2 ، ص 390 ، و كذلك الدعوات ، قطب الدين الراوندي ، ص 150 ، و ذكرها في ميزان الحكمة ، محمد الريشهري ، ج 2 ، ص 1073 ، و كذلك في شجرة طوبى ، الشيخ محمد مهدي الحائري ، ج 2 ، ص 427.
[7] - شجرة طوبى ، الشيخ محمد مهدي الحائري ، ج 2 ، ص 427
[8] - بحار الأنوار ، العلامة المجلسي ، ج 72 ، ص 461
[9] - بحار الأنوار ، العلامة المجلسي ، ج 92 ص298 ، الاختصاص ، ص 24 .
[10] - المحاسن ، أحمد بن محمد بن خالد البرقي ، ج 2 ، ص 390 ، و كذلك مستدرك سفينة البحار ، الشيخ علي النمازي الشاهرودي ، ج 6 ، ص 535
[11] - الكافي ، الشيخ الكليني، ج 6 ، ص 284 ، و قريب منه ما في بحار الأنوار ، العلامة المجلسي، ج 72، ص 459
[12] - بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 75، ص 79 ، و كذلك في موسوعة الإمام الجواد «ع» ، السيد الحسيني القزويني، ج 2 ، ص 368 ، وكذلك في ميزان الحكمة ، محمد الريشهري ، ج 3 ، ص 1931
[13] - مستدرك الوسائل ، الميرزا النوري ، ج 16 ، ص 257
[14] - الكافي ، الشيخ الكليني ، ج 6 ، ص 284