المباهلة.. وطف كربلاء
بقلم/ محمد طهمازي
"إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) 59 (الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُن مِّنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)" آل عمران.
المباهلة هي أن يجتمع خصمان كل واحد منهما له موقف أو قناعة مختلفة أو معاكسة للآخر في قضيّة ما ثم ينقطع ويدعو كل منهما الله أن يلعن الذي على جانب الظُّلم والباطل ويُهلِكَه. وهي تجري بعد الحوار أو التحكيم وإظهار حجّة أحد الطرفين على الآخر وتمسُّك الطرف الآخر الذي اهتزّت أو سقطت حُجَّتُه بموقفه.
والآن لنتمعَّن في هذا المقطع من الآية الكريمة " فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ " أن تخاطر بنفسك وتتحمّل عواقب توجّهك وخطك في الحياة هي مغامرتك وحدك، لكن أن تخاطر بأحبّائك لهو أمر مختلف. لقد قدّم النبي صلى الله عليه وآله الأبناء ثم النساء على نفسه وهذا التقديم هو تقديم للهلاك في موقفٍ يتعيَّن عليه أن يكون في أعلى حالات الإيمان بربه ووحيه والتأكد والثقة بالنفس والاستيقان بصدق القضيّة فأقلّ خطأ في التقدير في موقف مثل المباهلة سيودي بهم وهم أعزّة كل إنسان وأقرب المقرَّبين إليه وأحبُّ أحبابه.
تعود هذه الصورة لتتكرّرَ في الجيل الثاني من سلالة النبي محمد صلى الله عليه وآله وهم الصورة التي يُختبر فيها مدى فعل الرسالة المحمدية وعمق الإيمان والتربية التي زرعها النبي وعلي وفاطمة عليهم صلوات الله وسلامه. فكيف كانت الصورة ؟!
في يوم عاشوراء لم يخاطر الحسين عليه السلام بأحبائه من أبناء وإخوة وأصحاب حسب بل قدّمهم قرابين على مذبح الرسالة أمامه حتى وصل الأمر لأن يُنحر رضيعُه بين يديه، في مشهد كان لوحده هو امتحان الامتحانات ومحنة المِحَن، ثم ليكون هو مسك ختام قرابين كربلاء بعدما أخبر النساء أن يتجهزن لمسيرة سبي وآلام طويلة. لم يكن الحسين ممسكًا باليقين بالله ووحيه ونبيه ورسالته ووصيِّه بل كان على يقين اليقين.