(سلسلة حلقات أحاول من خلالها تناول ملحمة كربلاء في الفن برؤى تحليليّة من حيث البنية الملحمية والفلسفية والتعاطي الفني معها!)
بقلم/ محمد طهمازي
(رمزية الطفل في طف كربلاء)
هنالك جسد رئيسي في بنائية الملحمة الحسينية هو جسد الحسين الشهيد , والذي يشكّل المحور الأساس الذي تدور حوله كل عناصر الملحمة, وفيه تكمن شحنة التعبير في كتلتها المركزية.. بيد أن ثمّ كتلة صغيرة بحجمها لكنها كبيرة في شحنها العاطفي ووقعها النفسي ترتبط بها ليس ارتباطًا بنائيًّا فحسب بل هو ارتباط من نوع آخر..
يشكل الطفل الرضيع, في العادة, بداية حياة الإنسان صعودًا نحو الفتوة والشباب فالعمر الناضج فالمسن, بيد أنه هنا أخذ منحى مختلف كونه يتحرّك في ظل الموت حيث الطفل يُقتل , عبد الله الرضيع, والكبير يُقتل, الحسين ومن معه, ويعود الصغير فيُقتل, رقية بنت الحسين وولدا مسلم بن عقيل.. أي أننا أمام حياة تبدأ من الطفولة لتضع بصمة البداية ثم بصمة النضج ثم تأتي بصمة البداية الثانية, وما من بصمة لنهاية.. بصمات كلها مطبوعة بدم الشهادة, أي أننا أمام بدايات وصعود لكن ما من نهايات ولا هبوط حقيقي, وأنا أسميها قيامة الشهادة والشهداء, حيث الشهادة تثبت أنها حياة لا موت وأن الشهداء ليسوا أمواتًا بل هم أحياءٌ عند ربهم يرزقون!
إن أصالة فعل التضحية, الذي يمتلك هذه الاستمرارية في دورة الحياة والزمن, تهدي الفنان لولوج مسار تخيلي غني بالصور الفنية التي لا تتوقف عن النضوج والتنوع وتأسيسها لمقاربات فكرية موازية.. الأمر الذي يضع الفنان أمام جدلية الصورة الصعبة التي تراوح بين الفكر والأسلوب المثالي وبين الرؤية المعاصرة والأسلوب الحداثوي للفنان.. موقف قلق يؤسس لملامح صراع ذهني في المتصوّر يعمل على إقصاء الصورة الحسيّة لصالح التعبير الحدسي والفعل الظاهري لصالح التفاعل الجوهري في ذات المسار الذي يسلب المتحوّل ثقته ويمنحها للثابت..
إن الرمزيّة المكثّفة في قيامة الجسد المقطّع الأوصال أو المثخن بالجراح هي إحالة دلالية لفكرة ثورة سيد الشهداء, الثورة التي تنهض من رماد الانكسارات لتعود في كل عهد وكأنها وُلِدت للتو بكل قوتها وسطوة تأثيرها في الأنفس..
يتبع