بقلم (علي الراضي الخفاجي)
كل الأديان السماوية تبتلى بممارسات خارجة عن قواعدها ومحتوى نصوصها، وفيها من يدافع عن أصالتها وأعرافها وممارساتها، حفاظاً على الموروث أو على قدسية العقائد والنصوص التي قامت عليها.
ولأنَّ الإسلام خاتم الأديان، وشريعته أرقى الشرائع، ولأنَّ مذهب أهل البيت "عليهم السلام" أوفر المذاهب ثقافة وأصالة -كما نعتقد- فلابد من الحديث عن الممارسات التي يقوم بها بعض الموجهين لتفريغ بعض الممارسات الدينية من مضامينها المقدسة؛ خصوصاً التي اكتسبت امتداداً وتأثيراً على الوجدان الشعبي والواقع التاريخي، كالذي يقوم به البعض من ممارسات بهلوانية راقصة، لا تمت إلى قضية عاشوراء بصلة، ولا يمكن أن تعد تصرفاً اعتباطياً؛ خصوصاً في هذا الزمان الذي يتم فيه اختراق بعض الممارسات الدينية لتوظيفها لأهداف سياسية من خلال التسقيط والتشويه لأغراض تخدم من يسعى إلى تفرقة صفوف المسلمين أو أبناء المذهب الواحد أو الشعب الواحد.
هذه النماذج التي سيقت بسوط الراعي-هذا العام- إلى ساحة كربلاء، للمزايدة عليها، لم تجد لها أنصاراً، إلا في سوق التافهين ومنابر التفرقة وقنوات الضلالة، فهي لم تأت لأجل إحياء شعيرة أو إظهار مظلومية، بل للمزايدة على مواقفها، علَّهُ ينتفع مَن وراءها في الحصول على مكاسب في ظل الفوضى والتخريب.
وهي نفس النماذج التي زُجَّت في ساحات التظاهر، لأجل تحريف أهدافها التي خرجت من أجلها، وهي كما كانت ترقص فيها على جماجم الضحايا؛ جاءت إلى كربلاء؛ لترقص بالقرب من شهداء ملحمةٍ لا يفقهون من أهدافها وأسرارها شيئاً.
إنها نماذج مدفوعة بالمال أو بالأفكار، أو بالعقل الجمعي لما يوحيه مجموعة من الرعاة الذين خَبِرُوا سياسة القطيع نحو حظيرتهم في الليل، وعرضهم في سوق المزايدة في النهار، أو لذبحهم إذا تطلب الأمر في مواقف تنتهي بالنصر على الأعداء للحصول على الرئاسة والجاه والمال، أو يبقون -بعد النصر- يقتاتون على ما يقدمه لهم أسيادهم من فتات الخبز، وهم أذلاء (وإذا تفرقت الغنم قادتها العنز الجرباء) أو يموتون بثمن بخس؛ كي يصعد على جماجمهم من يُحسن الفذلكة بالخطب ليطبق سُنَّة الإغواء على غيرهم، وهكذا تدور عجلة الاستغلال للطاقات البشرية.
هذه المحاولات التي تهدف إلى تفريغ الأربعين من محتواه العظيم، لن تستطيع أن تُغيّب الصور الإنسانية المشرقة، من ألوان التضحية والسخاء والعطاء التي يقوم بها جُلّ المشاركين في هذا المشهد الرائع، والتي لا تجد مثيلها في الممارسات الدينية في العالم، فالأربعين جوهرة عاشوراء، وخيوطها مرتبطة بالسماء.
وقد آن الأوان للإخوة الحريصين على الدفاع عن المشاهد العاشورائية -وفي ذلك لا ينازعهم فيها أحد- أن نقول لهم: إن القدسية هي ما كانت منسجمة مع خط المقدس، ولا قدسية لما خرج عن دائرته، وإنَّ حرصكم نابعٌ من إيمانكم بالقضية الحسينية التي حملت خطاً أحمر في منع التجاوز؛ كونها مرتبطة بحركة نبوية معصومة، شاء الله تعالى أن تأخذ امتدادها في حركة الإصلاح للمسيرة البشرية، وعجزت الحوادث أن تضاهيها، أو تستخدمها لأغراضها، ولكن بعض الممارسات لا تتمتع بأي لون من الخطوط، وإذا كان طرح موضوع (تهذيب الشعائر) من قبل البعض ترون فيه إجحاف وتجريح، دعونا نقول (تقويم الشعائر) للحفاظ على استقامتها، وإذا كان من يُشكِل على تسميتها بالشعائر؛ كون الشعيرة ما تشعرك بالمقدس ومرتبته أو مواقفه- وإنَّ هذه الممارسات ليست شعائر- إذن لنسميها (تقويم المشاهد العاشورائية).
إنَّ هذه الظواهر؛ خصوصاً في هذا العام، كتوجه مجموعة من المنحلِّين خلقياً نحو كربلاء بدراجاتهم وسكاكينهم، ليطبقوا ما فعلوه من خرق وتشويه في ساحات التظاهر، وتصوروا أنهم يستطيعون تطبيقه في ساحة كربلاء، ليتظاهروا بالرقص، متشبهين بأثواب النساء، كلُّ ذلك يقع ضمن تخطيط داخلي وخارجي لتفريغ الأربعين من مضامينه العالية، ولإظهار الممارسات الدينية بالشكل الذي يُلبِّي أحلام المرضى من المُمهِّدين للتطبيع مع إسرائيل، ولإظهار الإنحلال من كلِّ القيم الدينية، بحجة فشل الإسلاميين في التطبيق، وهي أكبر من أن تكون ردة فعل من ذلك، إنما هو أمرٌ دُبِّرَ بليل، ويتمُّ تطبيقه بالنهار، بحجة ممارسة الحريات، حتى لو كانت على حساب حرية الآخرين ومعتقداتهم، فإذا بقي الحال على هذا المنوال، فقد يخرج مستقبلاً المثليون في عزاء يغنون فيه، ويطبل لهم مدعي التحرر من القيم، ويُروِّجُ له المتثيقفون، ومَن أحسنوا تلميع الوجه والشعر، ولم يُحسنوا الحديث معك عن وعي وإرادة دون اجترار، كما تفعل النعاج.