عندما تسلم البعثيين السلطة عام 1968، أظهروا احتراماً للشعائر الدينية والحسينية، حيث عملوا في العاشر من شهر محرم الحرام من العام نفسه ببث الخطب الدينية والرواية الكاملة لمقتل الإمام الحسين (ع) من خلال الإذاعة العراقية، وأخذت الحكومة بدعم المواكب الحسينية عن طريق المشاركة الفعلية بالمسيرات الحسينية وتوزيع المواد الغذائية، وتسخير آليات البلدية بتوزيع الماء، ولم يكن موقف الحكومة هذا من باب إيمانها أو تأييدها للشعائر الحسينية، بل من أجل كسب ودّ وتعاطف بعض القائمين أو المشرفين على تلك المراسيم الدينية وكذلك بعض البسطاء من الناس والظهور بمظهر المؤيد والداعم لهذه الشعائر والطقوس الدينية؛ لما لهذه المناسبات الدينية من أهمية وتأثير في النفوس، ومحاولتها برصد تحركات العناصر الإسلامية الفاعلة والنشطة، والوقوف في وجه أية معارضة سياسية يمكن أن تدخل إليها، ومحاربتها ومحاصرتها، وكذلك لتمرير بعض الأهداف والشعارات والأفكار والرموز الخاصة بها من خلالها والتي تعبر عن آرائها ومبادئها، ومحاولة استغلالها بما يلائم أهدافها ومصالحها.
وبعد هذا الدعم البسيط انتقلت الحكومة إلى استراتيجية أعمق واشمل، إذ وقفت مع المواكب الحسينية بعنوان التنظيم والاشراف عليها، وفي الوقت نفسه ثقفت على أن بعض الشعائر لا تلتقي مع جوهر الدين الإسلامي ومبادئه، ومع مرور الوقت بدء النظام بتضيق الخناق على ممارسة الشعائر، حيث عمل على تقييد المتعهدين بأقامة المجالس الحسينية بشروط منها: تدوين أسمائهم وتسليمها إلى الجهات الأمنية المختصة، وعدم التجمع قبل وبعد انعقاد المجلس، وغلق أبواب المجلس بعد انتهاء الخطيب مباشرة، وتعليق صور الرئيس ونائبه (احمد حسن البكر وصدام حسين) على جدران المآتم والمجالس، وغيرها من الأمور.
أراد النظام البعثي من أساليبه هذه تحويل المنابر والمجالس الحسينية إلى أبواق مأجورة تخدم مصالحه إلى جانب أبواقه الإعلامية والدعائية الأخرى، إضافة إلى القضاء على النفس الثوري والحس الإسلامي لها وتحويلها إلى ندوات وتجمعات لطرح أفكاره المناوئة إلى الإسلام وتشويه صورة الطقوس الحسينية باعتبارها عادات منافية للحضارة والمدنية وتعرقل مسيرة التقدم والرقي.
بعد ذلك اتبعت السلطة الحاكمة سياسة قائمة على مضايقة الشعائر الحسينية بصورة علنية، من خلال نشر عناصر الامن وأعضاء الحزب لمراقبة القائمين عليها، ومنع تشغيل اللطميات، وتطبيق قانون منع الضوضاء، وتحجيم ظاهرة السير مشياً على الأقدام لزيارة الأمام الحسين (ع)، واخضاع المواكب إلى وجوب استحصال إجازة مسبقة لأقامتها، والتعرف على من يقوم بجمع التبرعات لمثل هذه المناسبات، وغيرها من المضايقات.
ومن أجل القضاء على ممارسة الشعائر الحسينية التي أصبحت تشكل ناقوس خطر على السلطة البعثية؛ طبقَ النظام سياسة الحظر خطوة تلو الأخرى، بدءً من الأقضية والنواحي لتشمل محافظات العراق كافة في مرحلة لاحقة، وبالاعتماد على نظام عقوبات قاسي يصل إلى مرحلة الإعدام.
وهكذا تعامل النظام البعثي مع الشعائر الحسينية، لأنه كان يدرك أنها تولد شعوراً لدى الزائرين بالثورة على الظلم والاضطهاد والتمرد على أنظمتهم الفاسدة، لذلك وضع قيوداً وشروطاً قاسية على من يقوم بممارستها.
المصادر:
1- علي عظم محمد الكردي ومحمد جواد جاسم الجزائري، الشعائر الحسينية في مدينة النجف الأشرف وموقف السلطة منها 1968-1979، مجلة كلية الإسلامية الجامعة، كلية الإسلامية الجامعة، النجف الاشرف، العدد 24، 2014، ص48.
2. إبراهيم الحيدري، تراجيديا كربلاء (سيسيولوجيا الخطاب الشيعي)، ط2، مؤسسة دار الكتاب الإسلامي، قم، 2007، ص433.
3. علي المؤمن، سنوات الجمر، سنوات الجمر (مسيرة الحركة الإسلامية في العراق 1957-1986)، ط3، المركز الإسلامي المعاصر، بيروت، 2004، ص 164.
4. احمد عبد لله أبو زيد العاملي، محمد باقر الصدر (السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق)، ط1، الجزء الرابع، مؤسسة العارف للمطبوعات، بيروت، 2006، ص322.
مصطفى محسن شاكر ناجي
وحدة خطب الجمعة