تتوالى الأطروحات النبيلة والمشاريع الرسالية في كل وقت، وقد تكون المواقف إيجابية في بداية الامر، عن طريق التعاطي القولي مع الحدث، لأسباب قد يرتبط بعضها بالضيق والحرج من الرفض حينما تنقطع السبل الشرعية والمنطقية لهذا الرفض. ومن هذا المنطلق، تشير المصادر التاريخية إلى أن ما لا يقل عن السبعين ألفاً من الحجاج الحاضرين في واقعة غدير خم في السنة العاشرة للهجرة، قد بايعوا أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك الحدث الإسلامي الكبير، خصوصاً أن هذه البيعة قد حصلت أمام أنظار النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) فانقطعت سبل الرفض لأنه (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله) كان الداعي والمبلغ لأمر الله تعالى في ذلك اليوم.
في هذا اليوم، بايع كبار الصحابة وجميع الحجاج الحاضرين الإمام علي (عليه السلام)، مؤكدين ولاءهم له كخليفة للنبي ووصياً له. ومع ذلك، بعد رحيل الرسول الكريم، شهدت الأمة الإسلامية انقساماً كبيراً، حيث انقلب بعض الصحابة على الإمام علي (عليه السلام) وغصبوا الخلافة منه، مما أدى إلى أحداث مؤلمة في تاريخ الإسلام، فاتسمت تلك الحقبة بالفتن وإراقة الدماء وشق عصا المسلمين.
ويعد هذا الانقلاب مثالًا لنقض العهود والمواثيق، يستفاد منه في حياتنا اليومية بشتى المجالات، حيث أن الأفعال التي تلت بيعة الغدير لم تتوافق مع الأقوال والوعود التي قُطعت في ذلك اليوم، وهذا يشير إلى أن مواقف الإنسان الحقيقية تتجسد في أفعاله وليس في أقواله فقط. فالبيعة التي تمت في غدير خم كانت تعبيراً عن الولاء والطاعة، ولكن الأحداث التي تلتها أظهرت تناقضاً بين ما قيل وما تم فعله بسبب المصالح الشخصية والسير نحو ملذات الحياة الدنيا وهوى النفس.
هذا التناقض بين الأقوال والأفعال يُظهر أهمية الثبات على المواقف والعهود، وأن الأفعال هي التي تعكس حقيقة النوايا والمواقف. وعلى هذا الأساس فإن بيعة الغدير تظل رمزاً لتشخيص المواقف الصادقة والنوايا الحسنة.
أسعد كمال الشبلي