في سياق التحقيق الدقيق الذي أجراه الباحث الإسلامي، الأستاذ عبد الأمير القريشي في كتابه "أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك... جدلية العدد"، برزت رواية غريبة وصفها بـ "الشاذة والساقطة عن الاعتبار"، والتي نسبت إلى القبطي المصري "أبي شاكر بطرس" المعروف بـ "ابن الراهب"، حيث ادعى فيها أن الإمام الحسين (عليه السلام) قاتل في كربلاء ومعه تسعة آلاف فارس.
ويبين القريشي أن هذه الرواية تفتقد لأي أساس تاريخي أو منطقي، إذ وقع صاحبها في تناقضات صادمة، فذكر في موضع أن الإمام الحسين (عليه السلام) قُتل في عهد معاوية بن أبي سفيان، ثم عاد في الصفحة التالية ليقول إنه قُتل في عهد يزيد!
هذا التناقض وحده كافٍ لإسقاط الرواية، إذ يدل على عدم دقة الراوي، وجهله بالتسلسل الزمني لأهم واقعة في التاريخ الإسلامي، كما لم يذكر "ابن الراهب" أي مصدرٍ اعتمد عليه في روايته، ولم يوضح مستنده في القول بعدد المستشهدين مع الإمام (عليه السلام)، مكتفياً بادعاء غامض بأنهم “تسعة آلاف فارس”.
ويصف القريشي هذا الادعاء بأنه يتناقض تماماً مع إجماع المصادر الإسلامية والمرويات التاريخية المعتبرة التي تؤكد إن أعداد أنصار الإمام (عليه السلام) تتراوح بين عشرات محدودة لا تتجاوز المئة.
من جانب آخر، يبين التحليل الوارد في الكتاب، أن مثل هذه الروايات الشاذة تُستغل من قبل بعض الكتّاب الغربيين وأولئك المتحاملين على آل البيت الأطهار (عليهم السلام) لتشويه واقعة الطفّ، والادعاء بأنها كانت معركة متكافئة لا مظلومية فيها، بل حرباً بين جيشين كبيرين، مما ينسف جوهر الثورة الحسينية القائم على التضحية، وقلة العدد، وعمق المبدأ في مواجهة طغيان السلطة.
ومن هذا المنطلق، يؤكد الأستاذ عبد الأمير القريشي أن رواية "ابن الراهب" ساقطة علمياً وتاريخياً، لعدة أسباب أهمها تناقضها الزمني الفاضح، وافتقارها إلى أي مصدر أو إسناد، فضلاً عن عدم انسجامها مع جميع المرويات الإسلامية، وتوظيفها لخدمة سرديات منحرفة عن حقيقة مظلومية الإمام الحسين (عليه السلام).
المصدر: عبد الأمير عزيز القريشي، أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك – جدلية العدد، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2022، ص112-113.