حين انبهرت عيون الغرب بكربلاء... مدينة الأنوار والأسواق الواسعة منذ القرن التاسع عشر
كربلاء في عيون الرحّالة الأجانب: حضارة تنبض بالجمال منذ أكثر من قرن
كشفت موسوعة كربلاء الحضارية الصادرة عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة الحسينية المقدسة عن شهادات نادرة ومذهلة لرحّالة ومستشرقين زاروا مدينة كربلاء المقدسة خلال أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، عكست ملامح الازدهار العمراني والحضاري الذي تميّزت به المدينة في تلك الحقبة، لتكون شاهدة على عمق تاريخها وبهاء عمرانها.
ففي عام 1890م، زار المدينة العالم الأميركي "جون بيترز"، رئيس بعثة بنسلفانيا للتنقيب عن الآثار، فوصفها بأنها "مدينة مزدهرة توسّعت خارج أسوارها القديمة، وفيها الشوارع الواسعة والأرصفة المنظمة"، مما يشير إلى سبق كربلاء في تنظيمها العمراني مقارنة بمدن المنطقة آنذاك.
وبعد ثلاث سنوات فقط، في 1893م، كتب الرحّالة الإنكليزي "أ. ج. سوانس كوبر" انطباعاته عن المدينة، مبرزاً حيويتها التجارية قائلاً إنها "مدينة ذات شوارع مزدحمة وأسواق كثيرة وفيها محال للصرافة"، في وصفٍ يعكس حركة اقتصادية نشطة وتنوّعاً في المهن والأنشطة التجارية.
أما في عام 1911م، فقد سجّل الكاتب "عمانوئيل فتح الله عمانوئيل" مشهداً بالغ الجمال حين زار المدينة قائلاً: "وقد سرّنا منظر كربلاء أعظم السرور، لاسيّما كربلاء الجديدة أو (شهرنو)، فطرقها منارة بالقناديل والمصابيح ذات الزيت الحجري، ومن يراها قادماً من بغداد يندهش لرحابتها وجمال شوارعها التي تجري فيها الأهوية جرياً مطلقاً لا تحجبه التعاريج كما في أزقة بغداد".
وفي العام التالي 1912م، زار المستشرق التشيكي "ألويس موسيل" المدينة، ليؤكد في مذكراته إعجابه بـ "عمرانها وأسواقها وضواحيها"، مشيراً إلى أنها كانت واحدة من أكثر المدن العراقية تنظيماً وحركة.
هذه الانطباعات، التي دوّنها الرحّالة والمستشرقون، لا تروي مجرد مشاهدات عابرة، بل تشكّل وثائق حضارية تؤكد أن كربلاء المقدسة كانت – وما زالت – مدينةً نابضة بالحياة، تجمع بين القداسة والتمدّن، وتُدهش زائريها كما أدهشتهم قبل أكثر من مئة عام.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور التاريخي، قسم التاريخ الحديث والمعاصر، 2017، ج1، ص44.