في مدينة كربلاء المقدسة، حيث العتبة الحسينية المطهّرة ومجاورة أبي الأحرار، ترسّخت أقدام واحدة من أبرز الأسر العلمية العلوية التي حملت مشعل المعرفة من جزيرة العرب إلى قلب العراق، فهي أسرة "آل القزويني"، التي تُعد اليوم واحدة من علامات العراقة والفضل والقيادة الدينية.
انطلقت رحلة هذه الأسرة من الحجاز، مهبط الوحي ومهد العروبة والإسلام، حيث غادرت ديارها باتجاه مدينة قزوين في إيران، التي عُرفت الأسرة باسمها ردحاً من الزمن، وهناك نهلت الأسرة من العلوم والمعارف، وبرز منها رجال نذروا حياتهم للفقه والتدريس والبحث، حتى ذاع صيتهم في الأوساط العلمية والدينية.
وفي القرن الثاني عشر الهجري، قادت الرغبة في مجاورة الإمام الحسين "عليه السلام" أسرة القزويني للهجرة إلى العراق، فاستقرت أولاً في النجف الأشرف، قبل أن تتجه إلى كربلاء المقدسة سنة 1198 هـ، بقيادة السيد "باقر الموسوي القزويني الحائري" المعروف بـ "معلم السلطان"، والذي رافقه شقيقه السيد "محمد علي بن عبد الكريم الموسوي"، ليبدأا فصلاً جديداً في تاريخ هذه الأسرة العريقة.
تزامن وصول آل القزويني مع عصر ذهبي كانت تعيشه كربلاء، كمدينة تنبض بالحياة العلمية، عامرة بالمكتبات والمدارس الدينية، ومحطّ أنظار العلماء والمفكرين من مختلف بقاع العالم الإسلامي، ولم يمض وقت طويل حتى تبوأت الأسرة مكانتها الرفيعة في المجتمع الكربلائي، لتصبح من بين رموز الزعامة الدينية والفكرية.
ولعل أبرز رموز هذه الأسرة هو السيد "إبراهيم القزويني" صاحب كتاب "الضوابط"، أحد أعلام الفقه في عصره، والذي وافته المنية سنة 1262 هـ، فقد قاد الأسرة نحو زعامة دينية راسخة، وأسس إرثاً علمياً لا يزال حاضراً في المدارس الحوزوية حتى اليوم.
وعلى مرّ العقود، واصل أبناء هذه الأسرة التألق في ميادين العلم والمعرفة، وأثبتوا جدارتهم في الدفاع عن العقيدة، وإغناء التراث الشيعي بأعمال فقهية وأصولية وموسوعية ظلت محل تقدير العلماء والباحثين.
وبين صفحات التاريخ، يظل اسم آل القزويني منقوشاً بمداد المجد والنور، شاهداً على مسيرة عائلة لم تعرف الخمول، بل كانت على الدوام منارات علم، وحصون فكر، وقامات عزّ تزهو بها مدينة كربلاء وسائر الحواضر العلمية.
المصدر: سلمان هادي آل طعمة، تاريخ الأسر العلمية في كربلاء، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2021، ص15-16.