ارتبط فلهاوزن اتصالاً وثيقاً بالمصادر التاريخية الإسلامية، فترجم أجزاءً من كتاب "المغازي" إلى الألمانية سنة 1882، وصحّح لاحقًا "تاريخ الطبري" سنة 1887، ثم ألّف أعمالًا شهيرة أبرزها "الخوارج والشيعة" (1901) و"الدولة العربية من ظهور الإسلام إلى نهاية الدولة الأموية" (1902) والذي تُرجم لاحقاً إلى الإنكليزية والعربية.
ورغم اعتماده شبه الكامل على روايات "أبي مخنف" كما نقلها "الطبري"، كشف تحليل موسوعة كربلاء الحضارية الصادرة عن المركز، أن "فلهاوزن" لم يتجاوز دور "الناقل المعلّق"، إذ اكتفى بتدوين سرديات الطبري مضيفًا إليها استنتاجات شخصية متأثرة برؤية استشراقية بعيدة عن الموقف الإسلامي.
وفي حديثه عن الإمام الحسين (عليه السلام)، يعترف "فلهاوزن" بأن "استشهاد الحسين كان له شأن معنوي كبير وتأثير عظيم عند الشيعة"، وهو توصيف يكشف محدودية رؤيته، إذ حصر التأثير في دائرة مذهبية رغم أن الإمام الحسين حفيد النبي محمد، وابن علي وفاطمة (صلوات الله عليهم أجمعين)، مما يجعل فاجعة كربلاء حدثاً إسلامياً عاماً لا يخص جماعة دون أخرى.
كما قدّم هذا المستشرق تشبيهات عاطفية حين كتب "مضى الحسين كما مضى المسيح ليضع ملكوت الدنيا تحت الأقدام"، وهي مقارنة تُظهر إسقاطات مسيحية واضحة على حدث إسلامي خالص، بينما عاد في مواضع أخرى ليصف موقف أنصار الحسين بقصر النظر، متهماً الثورة الحسينية بالاندفاع و"الطيش"، في تناقض يعكس تحيزاته الأيديولوجية.
وتكشف موسوعة كربلاء أن فلهاوزن كثيراً ما استخدم أسلوب "المدح قبل الذم"، لتمرير طعون منهجية بحق الثورة الحسينية، كقوله إن الإمام الحسين "لم يبذل شيئًا لتحقيق أدنى مطالبه"، وهي رواية تناقض أبسط حقائق التاريخ الإسلامي وتناقض حتى اعترافاته بقيمة الحدث وتأثيره.
وبذلك يُعد فلهاوزن نموذجاً لمدرسة استشراقية حاولت توظيف السردية التاريخية لخدمة قراءات سياسية ودينية محددة، بينما تبقى كربلاء بشهاداتها وحقائقها، أقوى وأوضح من كل محاولات التحريف.
المصدر: العتابي، ليث عبد الحسين، الإمام الحسين في الدراسات الإستشراقية، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2018، ص40-45.