في قلب كربلاء المقدسة، حيث التاريخ يمتزج بالفكر والدين، برزت المكتبات والمطابع كأحد أهم الروافد التي غذّت الحركة العلمية والصحافية وأسهمت في ترسيخ هوية ثقافية متجذّرة جعلت من المدينة منارةً للعلم والإبداع منذ قرون.
فمنذ الأزمنة البعيدة، احتضنت كربلاء خزائن كتبٍ عامرة كانت مقصداً للعلماء والأدباء والباحثين، إلى جانب مكتباتٍ منزلية خاصة أنشأها رجال العلم والمعرفة، لتتحول إلى مراكز إشعاعٍ ثقافي تمدّ طلاب العلم بمختلف صنوف المعرفة.
وتشير المصادر التاريخية إلى أن سوق المازاد في الصحن الحسيني الشريف كان في مطلع القرن الثالث عشر الهجري أحد أبرز الأماكن التي ازدهرت فيها تجارة الكتب وتبادل المخطوطات، مما يدل على العمق الثقافي الذي عُرفت به المدينة.
وقد وثّقت مجلة (صوت شباب التوحيد) الكربلائية هذا التراث المعرفي الوافر، فبيّنت أن المكتبات في كربلاء كانت على نوعين هما خزائن بائدة اندثرت مع الزمن وبقي أثرها في ذاكرة التاريخ، ومكتبات حاضرة ما تزال تواصل عطاؤها، لتشكل امتداداً لتلك المسيرة التي لم تنقطع رغم تقلبات الزمن.
ولم تقف حركة الوعي عند حدود المكتبات، بل أسهمت المطابع الكربلائية بدورٍ محوري في نهضة الصحافة المحلية، إذ كانت الوسيلة التي نقلت الأفكار إلى الناس، واحتضنت صفحات الجرائد والمجلات التي وثّقت الحياة الفكرية والاجتماعية والسياسية في المدينة. فكل مطبعة كانت بمثابة منبرٍ للوعي، تسهم في ترسيخ الثقافة العامة ونشر المعرفة بين أبناء كربلاء والعراق عموماً.
يذكر أن المكتبات والمطابع في كربلاء كانت قد لقد شكّلت حلقة الوصل بين المتلقي وبين الاحتكاك الثقافي والحضاري، وأسهمت في توسيع الدائرة المعرفية، حتى أصبحت المدينة في القرنين الماضيين مركزاً يُشار إليه بالبنان في مجال الفكر والأدب والصحافة.
المصدر: آل طعمة، سلمان هادي، صحافة كربلاء، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2020، ص11-12.