على مقربة من مقام المخيم الحسيني الشريف، وفي زقاقٍ تنبعث منه رائحة التاريخ والإيمان، تنتصب حسينية "أهالي كركل ولداخ وبركستان" الهندية كشاهدٍ حيّ على عمق الارتباط الروحي بين شيعة الهند ومدينة الإمام الحسين (عليه السلام).
تعود جذور هذه الحسينية إلى عام ۱۳۹۲ هـ / 1972م، حين أوقفها جمعٌ من المؤمنين من مدن كركل ولداخ وبركستان في الهند، وجعلوها بيتاً للزائرين وموطناً لإقامة الشعائر والمجالس الحسينية، حيث تولّى تأسيسها وإدارة شؤونها في بدايتها كلٌّ من الشيخ "محمد بن علي ملك الهندي"، والسيد "محمد بن المرجع الديني الكبير، السيد محمود الحسيني الشاهرودي"، لتصبح لاحقاً مركزاً دينيّاً يجتمع فيه أبناء الجالية الهندية خلال الزيارات المخصوصة لإحياء ذكرى سيد الشهداء (عليه السلام).
كانت الحسينية عامرةً بالصلوات والخطب والمآتم التي ألقاها خطباء كبار مثل الشيخ "علي لالونك"، والشيخ "عباس الوزيري"، والشيخ "محمد بن ملك الهندي"، قبل أن تعصف بها يد القمع البعثي عام 1979م، حين هجّر النظام البائد، المتولين عنها لأسباب قومية وطائفية، فتحوّلت الحسينية إلى صمتٍ مؤلم لا يقطعه إلا همس الزائرين في الخفاء.
ومع ذلك، لم تمت الروح الحسينية فيها، إذ أُعيد ترميمها على مراحل، أولها عام 2006م بدعمٍ من علماء النجف الأشرف وطلبة الحوزات المباركة، ثم جددها أهالي الهند أنفسهم عام 2017م بعد زيارة المرجع الديني الراحل، الشيخ "أحمد هر دَس"، حيث أضيف الطابق العلوي المخصص للنساء وجهّزت بكامل مرافقها وخدماتها.
واليوم، وبعد مرور أكثر من نصف قرن على تأسيسها، ما تزال حسينية "كركل ولداخ وبركستان"، تحتضن الزائرين، وتفتح أبوابها في أيام الزيارات والشعائر، كإحدى أبرز المعالم الحية التي تجسد وحدة الأمة وتواصلها عبر الزمان والمكان، لتتعدى كونها بناء من الطين والحجر، إلى رمزٌ للعقيدة والوفاء والامتداد الحضاري بين كربلاء وشيعة الهند.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور الاجتماعي، 2020، ج3، ص 36-39.