في قلب كربلاء، المدينة التي أنجبت أسماءً مضيئة في الأدب والفكر والروح، برز اسم الدكتور ضياء الدين أبو الحب، الشاعر الذي جمع بين رصانة العلم وحرارة الوجدان، ليصبح واحداً من أبرز الوجوه الأدبية والوطنية في القرن العشرين.
ولد أبو الحب عام 1913م في بيت عريق عُرف بالعلم والزهد والفضيلة، بيتٍ جعل من الأدب موقفاً، ومن التقوى بوابةً للوعي، فشبّ الشاعر على نور الكلمة وصدق المبدأ. حيث أكمل دراسته الأولى في كربلاء، ثم التحق بدار المعلّمين في بغداد ليتخرج عام 1930، قبل أن يواصل معراج المعرفة إلى الجامعة الأمريكية في لبنان التي صقلت قدرته النقدية وأمدّته بخبرة فكرية واسعة. وعند عودته إلى العراق، مارس أدواراً تربوية مؤثرة، بين التفتيش التربوي والتدريس الجامعي، حتى استقر أستاذاً في كلية التربية.
لكن ضياء الدين لم يكن مجرد أكاديمي بارز، بل كان شاعراً يحمل قلباً مشتعلاً، وقضيةً لا تهدأ. وبرغم رهافة شعره الغزلي والعاطفي الذي شهد له معاصروه، فإن الوطن كان بوصلته الأسمى. فقد صاغ أصدق قصائده في لحظات الوجع العربي، ومنها أحداث 1941، و1948، وانتفاضة 1952، التي كانت محطات صنعت شاعراً يرى في القصيدة ساحة نضال لا تقل شرفاً عن ميادين المقاومة.
تميز أبو الحب أيضاً بنزعته القومية ووعيه الحاد بما يواجهه الوطن العربي من تحديات وجودية. فقد عايش بدايات الثورة الفلسطينية الأولى، وشاهد كيف أشعل وعد بلفور المشؤوم عام (1917)، جرحاً عميقاً في قلب الأمة، ليتحول هذا الجرح إلى صوت شعري يتحدى الاستعمار ويعري مخططاته.
وفي عام 1939، ومع تصاعد الثورة الفلسطينية الكبرى، صاغ الشاعر واحدة من أجمل قصائده، لوحة شعرية تشبه وثيقة نضال، قال فيها:
يا فلسطين قد بلغت المآلا وبنوك قد حققوا الأمـالا
عبثت فيهم زماناً خطوبٌ جائحاتٌ وكابدوا الأهـوالا
هجروا الحاضرات نحو الفيافي وعلى الطامعين ثاروا عجالا
ركبوا أظهر الحمام وآلوا أن يعيدوا الحياة الأوبـالا
رصدوا القاصفات من ممكنٍ العزّ وعاثوا يسرّ بها اشعالا
المذاويد من رجال كرامٍ نهضوا للجهاد غير كسالى
نهدوا للفخار يبنون ملكاً عربيّاً وكسروا الأغـلالا
وبهذه الروح، لم يكن الشعر عند ضياء الدين أبو الحب مجرد كلمات؛ بل كان رسالة مقاومة، ووعاءً لحلم عربي واحد، وسجلاً حيّاً لأوجاع فلسطين وتطلعاتها.
ورغم الزمن الذي مضى، ما يزال إرثه الأدبي شاهداً على أن الكلمة حين تصدر من ضمير حيّ، تصبح أقوى من الرصاصة، وأبقى من الجغرافيا.
المصدر: العطار، توفيق حسن، الوطنية في شعر كربلاء، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2015، ص15-17.