رغم مرور أكثر من أربعة عشر قرناً على واقعة الطف، ما تزال المحاولات المشبوهة لإعادة كتابة التاريخ الحسيني تتكرر بين الحين والآخر، متخفّية خلف شعارات "الحداثة" و"إعادة القراءة"، لكنها في جوهرها تحريفٌ صريح للحقيقة.
وفي كتابه "أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك... جدلية العدد"، يكشف الأستاذ عبد الأمير القريشي بالدليل العلمي أن الروايات التاريخية الأصلية التي تناولت أعداد أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) كانت منضبطة ومترابطة المصدر، وأن مزاعم التحريف أو التزوير في مقتل أبي مخنف ليست سوى محاولة فاشلة لهدم الثقة بالتاريخ الحسيني.
بين القريشي أن أغلب المؤرخين الذين تناولوا قضية عدد أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) ومنهم البلاذري والدينوري والطبري، قد أخذوا رواياتهم من أبي مخنف، الذي يُعد أقدم وأوثق من كتب عن الواقعة.
والمتبع لهذه الروايات يجد تقارباً زمنياً ونصياً بين المصادر، مما يؤكد أن مقتل أبي مخنف كان متداولاً ومتوفراً آنذاك، وأن القول بأن الطبري وضعه أو زوّره خدمةً للعباسيين هو قولٌ باطل لا يستند إلى أي دليل مادي.
كما وضح المؤلف أن الطبري لم ينقل المقتل كاملاً، بل أورد جزءاً منه، وأن مقارنة هذا الجزء مع ما ورد في المصادر المعاصرة له تُظهر تطابقاً كبيراً في التفاصيل والأرقام، ما يؤكد أن الرواية الحسينية الأصلية بقيت محفوظة رغم مرور القرون.
ومما يرد في الكتاب فهو التذكير بحقيقة جوهرية كثيراً ما تُغفل، وهي إن أحداث النهضة الحسينية هي من أثبت وأدق الوقائع التاريخية، لأنها دُوِّنت فور وقوعها على يد من حضرها وشهدها، وأن أول من كتب مقتلاً عنها هو "الأصبغ بن نباتة"، لتتواصل الكتابات جيلاً بعد جيل، حتى جاء أبو مخنف ليوثقها من مصادر مباشرة وقريبة من الواقعة.
لذا، فإن القول بأن روايات كربلاء قد ضاعت أو زُوّرت، فهو إنكار للذاكرة الجماعية للأمة التي ظلت تحفظ الواقعة كتابةً وشفاهية حتى يومنا هذا.
وختاماً فأن النهضة الحسينية لم تكن ساحة غامضة ليُعاد تأويلها، بل واقعة مدونة بشهادة عيانها، ورواياتها ثابتة رغم اختلاف الزمان والمكان، وأن أعداد أنصار الإمام الحسين (عليه السلام) رغم قلتها، كانت عنوان العظمة، إذ أن القلة تلك هزمت بدمائها جيش الباطل أخلاقياً وإلى الأبد.
المصدر: عبد الأمير عزيز القريشي، أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك – جدلية العدد، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2022، ص98-100.