فيما يعرف العالم كربلاء المقدسة كمدينة روحية خالدة، تحمل أرضها أيضاً وجهاً آخر لا يقل أهمية، وهو وجه الطبيعة الغنيّة بتنوعها النباتي، حيث يلتقي السهل الرسوبي بامتداداته الخصبة مع الصحراء المترامية الأطراف، ليشكلا معاً لوحة بيئية تعكس خصوصية المكان وتمنحه تنوعاً نادراً.
فعلى ضفاف نهر الفرات وتفرعاته، كالحسينية وبني حسن، تنمو غابات طبيعية محلية تعرف بـ "الأحراش"، والتي تضم أشجار الغرب والصفصاف والأثل، إلى جانب العوسج وحشائش الحلفا والشوك والعاقول.
وهذه الأشجار لم تكن مجرد عناصر طبيعية، بل شكّلت عبر التاريخ مصدراً للوقود، ووسيلة لتقليل العواصف الترابية، إضافة إلى توفيرها بيئة مثالية لرعي الحيوانات، كما أضاف الإنسان إلى هذه المنظومة الطبيعية أشجاراً أخرى مثل السدر واليوكالبتوس، ليمنحها بعداً زراعياً واقتصادياً جديداً.
أما في الأراضي الزراعية المحيطة بالفرات، فتتوزع نباتات الحقول التي تزدهر شتاءً وصيفاً، ويبرز من بينها الشوفان البري، الذي يُعدّ غذاءً مهماً للرعي، والعاقول الذي ينمو في أحواض الأنهار، إضافة إلى الشوك والطرطيع والنباتات التي تتحمل الملوحة مثل العبيرة والشويل، حيث جعلت هذه الأنواع من كربلاء مركزاً طبيعياً متوازناً يجمع بين الزراعة والرعي.
وعلى الطرف الآخر، وفي عمق الهضبة الغربية، تمتد النباتات الصحراوية التي تعكس قدرة الطبيعة على التكيف مع أقسى الظروف، حيث تنتمي غالبية هذه الشجيرات إلى العائلة الرمرامية، وتتميّز بقدرتها على مقاومة الجفاف والملوحة من خلال تحوير أوراقها إلى حراشف أو امتلاك جذور عميقة كثيفة، ومن أبرز هذه النباتات: الشيح، والسدر البري، والطرفة، والشنان، والرمث، والتي توفر مورداً رعويّاً في مواسم الجفاف.
كما تنتشر في الصحراء أعشاب معمرة مثل الحرمل والكملان، وأخرى حولية مثل الكطب والزعتر، التي تحمل قيمة بيئية وطبية وتراثية لا تقل أهمية عن قيمتها الطبيعية.
تجدر الإشارة إلى أن النبات الطبيعي في كربلاء لم يكن مجرد غطاء أخضر فحسب، وإنما هو عنصر أساس في دورة الحياة، فهو يحمي التربة من التصحر، ويخفف من حدة العواصف، ويوفر مصادر غذاء ورعي ودواء، كما يثبت هذا التنوع البيئي بين السهل والصحراء أن كربلاء ليست فقط مركز إشعاع ديني وثقافي، بل هي أيضاً موئلاً طبيعياً متفرداً يستحق المزيد من البحث والحماية.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور الجغرافي، 2017، ج1، ص89-91.