بين الأسطورة والحقيقة، يبقى عدد أنصار الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء من أكثر القضايا التي حيكت حولها الروايات المتضاربة، لكنّ الحقيقة الصارخة التي وثّقها الأستاذ عبد الأمير القريشي في كتابه "أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك... جدلية العدد" تُسقط الادعاءات القائلة بمشاركة “آلاف الأنصار” في معركة الطف، لتثبت أن العدد الحقيقي لم يتجاوز الـ (72) رجلاً فقط.
وكانت الرواية الأشهر والأدق بين المؤرخين – كما وردت في مصادر متقدمة على الطبري أو معاصرة له كالدينوري واليعقوبي – تفيد بأنه: "كان الحسين في اثنين وثلاثين فارساً، وأربعين راجلاً"،
وهذا ما رواه "الضحّاك بن عبد الله المشرقي"، وهو شاهد عيان قاتل إلى جانب الإمام الحسين في كربلاء، حيث قال: "عبّأ الحسين أصحابه وصلى بهم صلاة الغداة، وكانوا اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً، فجعل زهير بن القين في الميمنة، وحبيب بن مظاهر في الميسرة، وأعطى رايته العباس بن علي".
وأشار القريشي إلى أن عدد الرؤوس التي حملت إلى الشام كان اثنين وسبعين رأساً، وهو نفس عدد المقاتلين الذين استشهدوا في المعركة، أما رؤوس الموالي الاثني عشر فلم تُقطع، ما يعني أن العدد الإجمالي للمجاهدين والشهداء كان قريباً جداً من المئة بعد إضافة من التحق بالحسين (عليه السلام) في اللحظات الأخيرة من المعركة.
وبحسب "ابن قتيبة"، فقد التحق ثلاثون رجلاً من جيش عمر بن سعد بالإمام الحسين يوم عاشوراء نفسه، بعدما رفضوا قتال ريحانة النبي (صلوات الله عليهما)، فقالوا: "يعرض عليكم ابن بنت رسول الله ثلاث خصال لا تقبلون واحدة منها؟ فتحوّلوا مع الحسين فقاتلوا معه حتى استُشهدوا".
وبذلك يرتفع العدد الإجمالي إلى (102) شهيداً، وهو ما يتفق مع أغلب روايات الرؤوس المقطوعة والمفقودين بعد المعركة.
وبعد مراجعة دقيقة للروايات، يؤكد الأستاذ القريشي إن التباين البسيط في الأرقام أمر طبيعي، ناتج عن تصحيف في الأسماء أو سقوط بعض الأسانيد، لكنه لا يغير الحقيقة الجوهرية القائلة بأن معركة الطف كانت ملحمة قلة واجهت كثرة، لا مواجهة بين جيوش متكافئة.
ختاماً، فقد كان جيش الحسين صفوة لا تتجاوز المئة روح مؤمنة، واجهوا ثلاثين ألفاً من جند الباطل، ليصنعوا بدمائهم تاريخاً لا يُمحى أبد الدهر.
المصدر: عبد الأمير عزيز القريشي، أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك – جدلية العدد، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2022، ص94-97.