على مدى قرون من الزمن، سادت روايات تقول إن الآلاف من الأنصار شاركوا في واقعة الطف إلى جانب الإمام الحسين (عليه السلام)، غير أن الحقائق التاريخية الموثقة تنسف هذه الأسطورة من جذورها، لتؤكد أن من قاتل مع الإمام يوم عاشوراء لم يتجاوز المئة رجل.
ويؤكد الأستاذ عبد الأمير القريشي في كتابه "أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك... جدلية العدد" إن الروايات الصادرة من مصادر جيش ابن زياد نفسه — العدوّ لا الصديق — كانت شاهداً دامغاً على محدودية العدد، إذ نقلت مشاهدات مباشرة من قلب الميدان، لا مجال فيها للمبالغة أو التقديس العاطفي.
ويروي "الطبري" في تاريخه عن "الحصين بن عبد الرحمن"، عن "سعد بن عبيدة" — وهو من شهود العيان — قوله:
"وإني لأنظر إليهم وإنهم لقريب من مائة رجل، فيهم لصلب علي بن أبي طالب خمسة، ومن بني هاشم ستة عشر، ورجل من بني سليم حليف لهم، ورجل من بني كنانة حليف لهم، وابن عمر بن زياد".
ويضيف الراوي مشهداً مهيباً، إذ يقول:
"كان أشياخ من أهل الكوفة يقفون على التل يبكون ويقولون: اللهم أنزل نصرك... قلت لهم: يا أعداء الله، ألا تنزلون فتنصرونه؟!"، في صورة مأساوية تختصر حجم المأزق، بقلة مؤمنة تواجه بحراً من السيوف، فيما جمهور المتخاذلين يكتفي بالبكاء من بعيد.
كما ينقل الطبري أيضاً حادثة بالغة الدلالة، حين رأى عمرو بن الحجاج الزبيدي — أحد قادة جيش عمر بن سعد — كثرة القتلى في صفوفهم أثناء المبارزات الفردية، فصرخ في جيشه قائلاً:
"يا حمقى! أتدرون من تقاتلون؟! فرسان المصر، قوماً مستميتين، لا يبرزنّ لهم أحد! إنهم قليل، وقلما يبقون، والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم"، فكانت كلمات قائد العدو لجنده تعترف بالواقع، أن "عددهم قليل... لكن بأسهم أعظم من كثرتكم".
وبالفعل، أمر عمر بن سعد جنوده بالكف عن المبارزة المباشرة، والاكتفاء بالرمي الجماعي، خشية أن تستمر الخسائر الفادحة في جيشه الجرار أمام تلك القلة المؤمنة.
ويخلص القريشي من خلال تحليل هذه الشواهد إلى أن "روايات الخصوم أنفسهم كانت أصدق بيان على أن أصحاب الحسين لم يكونوا سوى عشرات من الرجال الشجعان الذين خاضوا معركة غير متكافئة، جسّدوا فيها أسمى معاني الفداء والبطولة، فالطف لم تكن حرب جيوش، بل ميدان عقيدة وإيمان، وقف فيه المئة في وجه الآلاف، فخلّدهم التاريخ أبداً.
المصدر: عبد الأمير عزيز القريشي، أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك – جدلية العدد، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2022، ص91-93.