منذ مئات السنين شكّلت الأمثال الشعبية جزءاً أصيلاً من الذاكرة الكربلائية، فهي ليست مجرد جمل عابرة، بل تحمل في طياتها قيماً اجتماعية ودلالات إنسانية عميقة، ومن أبرز تلك الأمثال التي ما زالت متداولة حتى اليوم قولهم: "ثلاثة الله يسهلها، الطهور والزواج والبناء".
ويُضرَب هذا المثل عادةً لتسلية من يمرّ بأحد هذه المواقف الثلاثة حين تشتد عليه الظروف المادية، فيذكّره المجتمع بأن رحمة الله واسعة وأن معونة الناس أقرب مما يتوقع. فالطهور – أي ختان الأطفال – والزواج، وبناء بيت المعيشة، هي مناسبات تحتاج إلى المال والجهد، وغالباً ما تكون ثقيلة على الفقراء ومحدودي الدخل.
لكن المجتمع الكربلائي اعتاد أن يُحوّل هذه المحن إلى مناسبات للخير والتكافل، حيث يسارع أهل الحي أو المنطقة إلى جمع التبرعات أو المشاركة العملية، سواء بالمساعدة في نفقات الزواج أو في تقديم الطعام والشراب أو حتى في إسناد أعمال البناء، وبذلك يتحقق التكامل الاجتماعي الذي يجعل من المثل الشعبي قاعدة أخلاقية أكثر منه مجرد عبارة متداولة.
ويكشف هذا المثل عن عمق الوعي الديني والإنساني لدى أبناء كربلاء، حيث تتجسد فيه قيم التعاون، وتقديم العون للآخرين، وتخفيف الأعباء عن ذوي الحاجة، وهو ما يعكس صورة مشرقة عن مجتمع لا يترك أفراده فريسة للضيق في معترك الحياة، بل يجعل من معاناتهم مسؤولية جماعية.
ومع استمرار تداول هذا المثل جيلاً بعد جيل، ظلّت كلماته رمزاً لثقافة التكافل المتجذّرة في النفوس، ورسالة واضحة أن الأزمات مهما اشتدت فإنها تُحلّ بروح المساعدة والإيثار.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور الاجتماعي، 2020، ج2، ص239-240.