لطالما نسجت بعض الأقلام روايات تزعم أن الآلاف من الأنصار كانوا مع الإمام الحسين (عليه السلام) في معركة الطف، محاولة تضخيم العدد أو تصوير المواجهة وكأنها صراع بين قوتين متكافئتين.
لكن الحقيقة التاريخية، كما وثّقها الأستاذ عبد الأمير القريشي، مدير مركز كربلاء للدراسات والبحوث في كتابه المعنون بـ "أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك... جدلية العدد"، قد كشفت أن العدد كان محدودًا جدًا، وأن التناقضات في الروايات تخدم أكثر من أي شيء آخر، أغراض التلاعب السياسي أو التضليل العقدي.
فبحسب ما أورده ابن سعد (ت 230 هـ) في طبقاته، أن "أهل العراق قد بعثوا إلى الحسين الرسل والكتب يدعونه إليهم، فخرج متوجها إلى العراق في أهل بيته وستين شيخاً من أهل الكوفة، وذلك يوم الاثنين في عشر ذي الحجة سنة ستين"
أما المسعودي فقد ذكر أنهم كانوا واحدًا وستين رجلاً، لكن هذا القول بدا معزولاً وضعيفًا أمام الروايات الأخرى، ما يعكس اضطراباً في النقل.
من جهته، فقد قدّم المؤرخ ابن العبري (ت 685 هـ / 1286م) رقماً أكثر صدمة حين قال "ناهضهم القتال الإمام الحسين يوم عاشوراء وهو يوم الجمعة ومعه تسعة عشر إنساناً من أهل بيته، فقتل عطشاناً، وقتل معه سبعة من ولد علي وثلاثة من ولد الحسين"، وهذا السرد يختزل المشهد إلى بضعة أفراد من أهل بيته، مما يعكس حجم الحصار الذي أحاط بسيد الشهداء (عليه السلام) في كربلاء.
وبالمقابل، يورد "ابن كثير" في "البداية والنهاية" أن الحسين (عليه السلام) قد "تحمل بأهله ومن أطاعه، وكانوا قريباً من ثلاثمئة"، لكن القريشي يوضح أن هذا الرقم لا يشير إلى من حضر يوم عاشوراء، بل إلى من التحقوا بالركب عند خروجه من مكة، وأن الطريق وما جرى فيه من أحداث أدى إلى تناقص العدد شيئاً فشيئاً حتى لم يبقَ معه إلا الصفوة القليلة التي صمدت يوم العاشر.
ووفقاً لما ذكر في هذا الباب، فإن الحقيقة الصادمة بين من قال بمشاركة ستين رجلاً، أو واحداً وستين، مع تسعة عشر من أهل البيت (عليهم السلام)، يتضح أن الروايات المتعددة تتفق على شيء واحد وهو أن أنصار الحسين كانوا قلة لا يُقاسون بجيش ابن زياد الجرار، وهنا يسقط الادعاء المضلل بمشاركة الآلاف في الميدان، لتبقى كربلاء رمزاً لمعركة غير متكافئة، عنوانها التضحية والصمود أمام جحافل الظلم والباطل.