في واحدة من أكثر الصفحات ظلمة في التاريخ الإسلامي، تتجلى جذور العداء لأمير المؤمنين ولأبيه مؤمن قريش "عليهما السلام" باعتبارها وليدة مشروع سياسي ممنهج، لا خلافاً دينياً أو عقدياً كما حاول الطغاة تصويره على مر العصور.
ويقول الباحث البارز، الشيخ باقر شريف القرشي، إنه "لولا السياسة الأموية والعباسية، لكان مذهب أهل البيت هو السائد في المجتمع الإسلامي؛ لأنه متصل مباشرة بالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، لكن تلك السياسات الاستبدادية قررت مواجهة أهل البيت بكل الوسائل، لأنهم مثّلوا تهديداً وجودياً لحكمٍ تأسس على الظلم لا على العدل.
ووفقاً للمصادر، فإن من أشد فصول الظلم التي شهدها التاريخ الإسلامي، تلك التي تعرضت لها الطائفة الشيعية، فقد لاقت من الاضطهاد والتنكيل ما لم تلقه أي جماعة أخرى، والسبب ببساطة أنها آمنت بأن الإمام لا يُنصّب بالسيف، بل يجب أن يتحلى بصفات رفيعة منزلة من الله تعالى، لم تتوفر يوماً في أولئك الملوك الذين حكموا الناس بقوة الحديد والنار.
وفي قلب هذه المأساة، نبتت بذور الكراهية لأبي طالب، مؤمن قريش، ووالد وصي النبي، الإمام علي "عليه السلام"، فلمّا عجزت الأنظمة الأموية عن النيل من علي بن أبي طالب مباشرة، لجأت إلى الطعن في نسبه، والتشكيك في إيمان أبيه.
وإن من دواعي السخرية أن يُتهم بالكفر رجلٌ آوى النبي "صلى الله عليه وآله" وذبّ عنه بكل ما يملك؟! وهو ما يستدعي الطعنٌ المباشرٌ في حكمة الرسول نفسه "حاشاه"، والذي عاش في كنف أبي طالب وآمن بحمايته.
ولقد خاضت الطغمة الأموية، ومن بعدها العباسية، معركة قذرة لتزوير الوعي الإسلامي، فلم يكن الأمر خلافاً فقهياً، بل حرباً إعلامية خطيرة لتغيير مسار الأمة، تبدأ بإسقاط الرموز، وطمس الحقائق، وانتهاءً بصناعة روايات مشبوهة تُروّج على المنابر وتُدرّس في المدارس.
ولأن شخصية الإمام علي كانت تجسيداً للعدل، ولأن نسبه النبوي يجعله الأقرب إلى النبوة، فقد كانت ضربته موجعة للأنظمة القائمة، فكان لا بد من تحطيمه رمزياً من خلال تشويه سيرة أبيه، لكنهم فشلوا في ذلك، فكل الشواهد العقلية والشرعية والتاريخية تصرخ بوجه الباطل، فكيف يكفر من ضحّى بكل ما يملك لحماية الرسالة؟
تجدر الإشارة إلى أن جذور الحقد على أبي طالب، ومن ثم على علي "عليهما السلام"، لم تكن عقائدية بل سلطوية، فكانت عداوة بدأت من القصور لا من المساجد، ومن دهاليز الحكم لا من ضمائر الأمة، وأن التاريخ، وإن كُتب بيد المنتصر، لا يمكنه أن يُسكت صوت الحق إلى الأبد.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشاملة، المحور التاريخي، قسم التاريخ الإسلامي، النهضة الحسينية، ج4، ص54-55.