في مشهد إنساني لا نظير له، تتحول طرقات العراق كل عام إلى سيل بشري هائل في مسيرة الأربعين، حيث يجتمع عشرات الملايين من مختلف الأعراق والأديان واللغات على هدف واحد، هو الوصول إلى كربلاء المقدسة لإحياء ذكرى أربعينية إستشهاد الإمام الحسين "عليه السلام".
جاء هذا في مستهل مقال للدكتور "كريس هيور"، الباحث البريطاني المتخصص في الدراسات الإسلامية والمستشار لدى مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة الحسينية المقدسة، والذي وصف هذه المسيرة بأنها أكثر من حدث ديني، بل هي صورة حية للوحدة التي يتطلع إليها العالم في آخر الزمان، حين يسود العدل وتزول الفوارق بين البشر.
وأوضح "هيور" أنه على امتداد طريق "يا حسين"، تذوب الحدود الاجتماعية والثقافية، فيسير المسلم الشيعي جنباً إلى جنب مع السني، والمسيحي، واليهودي، والهندوسي، بل وحتى من لا ينتمون إلى أي دين، لكنهم يحملون نفس الإعجاب بالقيم التي جسدها الإمام الحسين في التضحية والعدل، رجالاً ونساءً، صغاراً وكباراً، أصحاء وذوي إعاقة، يجتمعون جميعهم في روح واحدة.
ووفقاً للمقال، فإن الأغرب أن مشهد العطاء في هذه المسيرة يقلب مفاهيم العالم المادي رأساً على عقب، فالفقراء يقدمون ما لديهم للأغنياء، والطبيب والميكانيكي والطاهي يقدّمون خدماتهم مجاناً، فيما الماء والطعام يوزعان بكرم لا يعرف المقابل، مؤكداً إن هذا النموذج يطرح أسئلة صادمة حول من هم الطغاة اليوم؟ وما هي أشكال القمع الحديثة؟ وهل يمكن أن يستمر نظام عالمي يكدس الثروات في يد قلة بينما يحرم الملايين من أبسط مقومات الحياة؟
هذا ويرى الباحث المتخصص في العلاقات بين الأديان، أن مسيرة الأربعين ليست فقط ذكرى تاريخية، بل نافذة على المستقبل الموعود الذي تتحدث عنه الديانات، حيث يظهر المخلّص، فينتهي الاستبداد ويُعاد توزيع خيرات الأرض بعدل، وتصبح الأسرة البشرية واحدة في تنوعها.
وفي الختام، فقد وجّه المقال ما وصفها بـ "دعوة مفتوحة للبشرية" لأن تبدأ الآن في السير نحو هذا النموذج، لا انتظار ظهوره، فالأربعين، في جوهرها، ليست مجرد مسافة تُقطع بالأقدام، بل هي رحلة روحية نحو عالم أكثر إنصافاً وإنسانية.