وسط تصاعد الاستعدادات لإحياء أربعينية الإمام الحسين "عليه السلام"، جاءت كلمة ممثل المرجعية الدينية العليا في أوروبا، فضيلة العلّامة السيد "مرتضى الكشميري" لتضع النقاط على الحروف، ولتؤكد إن زيارة الأربعين ليست حدثًاً دينياً عابراً، بل مسؤولية تاريخية وإنسانية تقع على عاتق كل فرد من أتباع مدرسة أهل البيت الاطهار.
وأشار "الكشميري" إلى أن العالم يشهد في كل عام، وتحديداً في العشرين من شهر صفر الأغر، أضخم تجمع إيماني تشهده الأرض، حيث يتجه ملايين الزائرين سيراً على الأقدام نحو كربلاء المقدسة، مجسدين ملحمة روحية وإنسانية تتحدى الزمن، ومع ذلك، يغيب هذا الحدث العظيم عن تغطيات الإعلام العالمي، الذي ينشغل بتفاصيل فنية أو رياضية قد لا ترقى إلى أهميته القيمية والروحية.
وفي تحليله لأسباب هذا التجاهل، لفت ممثل المرجعية إلى أن زيارة الأربعين تمثل تعبيراً عميقاً عن الولاء لقيم الثورة الحسينية ورفضاً للظلم والفساد، ما يجعلها غير مرغوبة لدى أنظمة الاستبداد، وبالتالي تُحارب بالتجاهل الإعلامي، كما أن الجهل الغربي بالفكر الشيعي، أو تشويهه عمداً، يسهم في حجب الصورة الحقيقية للمسيرة الأربعينية عن الرأي العام العالمي.
ووفقاً للعلّامة، فإن المعضلة لا تكمن فقط في الخارج، بل أيضاً في الداخل، حيث أشار إلى التقصير في تسويق هذا الحدث إيمانياً وثقافياً للعالم، فالزيارة بقيت محصورة في بعدها الشعبي، ولم يُستثمر الإعلام الحديث ولا الأدوات البحثية ولا الحملات العالمية بالشكل الكافي لتعريف العالم بهذه الملحمة الإنسانية.
كما أكد السيد "مرتضى الكشميري" إن زيارة الأربعين تمثل فرصة ذهبية لبناء خطاب حضاري جديد، يترجم قيم النهضة الحسينية إلى لغة عالمية تُفهم وتُحتَرم، بعيداً عن الشعارات المكررة أو الحماس الموسمي، فهي ليست طقساً دينياً فحسب، بل مشروع تربوي طويل الأمد ورسالة مفتوحة لكل إنسان حر، تدعوه للوقوف مع الحق، ونبذ الظلم، وتغليب الضمير على المصالح.
وفي الوقت الذي ترتفع فيه رايات اللهو والترفيه على حساب القضايا الإنسانية الكبرى، تأتي الأربعين لتعيد تعريف البطولة على أساس التضحية والإيثار، وتقدم أنموذجاً مغايراً للإنسان المعاصر، الذي يسير لأيام طويلة حباً لمبادئه، ويخدم غيره من دون مقابل، في لوحة قلّ نظيرها في التاريخ الحديث.
وقد اختُتمت الكلمة بدعوة صريحة إلى تحمل المسؤولية الجماعية في حماية قدسية زيارة الأربعين من التمييع أو التسييس أو الاختزال، وتجديد الخطاب المرتبط بها بما يتناسب مع عمقها الإنساني والعقائدي، مؤكدةً إن "نور الحسين لا يُطفأ"، ولكنه بحاجة إلى من يحمله بوعي، ويقدّمه للناس كما أراده الله وأرادته الرسالة المحمدية الأصيلة.