في قلب العراق، حيث تحتضن محافظة كربلاء المقدسة واحدة من أقدس بقاع العالم، تنبض الأرض تحت الأقدام بحكايات جيولوجية مذهلة، تخطها الصخور والرمال والغرين.
ولم تقتصر الدراسات الجيومورفولوجية لهذه المحافظة العريقة على الجانب الأكاديمي فحسب، بل أصبحت مفتاحاً لفهم جغرافية المكان، وتحولات الأرض عبر ملايين السنين.
تشير البحوث الجيومورفولوجية الحديثة إلى أن كربلاء تقف فوق تراث جيولوجي غني ومعقّد، يشمل تكوينات تعود إلى الزمن الثالث والرابع، لكل منها بصمته في تشكيل ملامح الأرض وتحديد طبيعتها وخصوبتها.
أول هذه التكوينات يخص الزمن الثالث (التيرتياري) ويتفرع إلى كل من تكوين الفرات (المايوسين الأسفل) الذي يتجلى في غرب كربلاء، ويُعد من التكوينات الرسوبية البحرية، وتكوين الفتحة (المايوسين الأوسط) الذي يقع جنوبي بحيرة الرزازة ويظهر كشريط ضيق بين الفرات ومنطقة إنجانة، فضلاً عن تكوين انجانة (المايوسين الأعلى) والذي يمتد على منطقة طار السيد والضفة الشرقية لبحيرة الرزازة.
ثاني هذه التكوينات يسمى بـ (الدبدبة) أو (البلايوستوسين) والذي يعد أحد أكثر التكوينات وضوحاً، ويغطي مساحات واسعة تمتد من حدود النجف إلى شمال كربلاء بمحاذاة الرزازة، حيث يتكون من رمال، وحصى، وصخور نارية، وكوارتز أبيض، وحجر جيري.
ويقسَّم هذا التكوين إلى أربع وحدات جيولوجية تشمل الرمال الخضراء الناعمة، وتجمعات الحصى والحجر الرملي، فضلاً عن الحجر الجيري المتداخل، والمزيج الرسوبي متعدد المصادر.
أما التكوين الثالث فيعود إلى الزمن الرباعي (الهولوسين) ويشتمل على كل من ترسبات المنخفضات التي تُلاحظ في المنخفضات الضحلة كالجفر المالح جنوبي الرزازة، وترسبات الوديان التي تنتج من الفيضانات الموسمية وتُخزن في قيعان الأنهار، وترسبات السباخ التي تتركز على حواف بحيرة الرزازة.
فمن عمق الصخور إلى سطح الرمال، تتحدث الأرض بلغة تكشف عن تاريخ جيولوجي متنوع الأصول والمصادر، والذي يؤكد إن كربلاء كانت وما زالت مسرحاً لتحولات كونية تشهد على عظمة الخلق ودهشة التكوين.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور الجغرافي، 2017، ج1، ص78-81.