في زمن الفتن الكبرى، حين تحوّل الحزن إلى احتفال، والمأساة إلى مهرجان، لم يكن بوسع الحق إلا أن يستصرخ الوجدان بأن من أراد أن يعرف حقيقة عاشوراء، فليرجع إلى النبي محمد "صلى الله عليه وآله" نفسه.
ووفقاً لكتاب "أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك... جدلية العدد" للباحث الأستاذ عبد الأمير القريشي، فالأحاديث النبوية الصحيحة التي روتها عائشة وأم سلمة وغيرهما، تحمل شهادة واضحة، دامغة، قاطعة بأن النبي "صلى الله عليه وآله" بكى الحسين، قبل أن يُذبح الحسين.
وينقل الكتاب عن عائشة، قولها "دخل الحسين بن علي على رسول الله (صلوات الله عليهما) وهو يوحى إليه، فلعب على ظهره، فقال له جبريل: أتحبه؟ قال: نعم، فقال الوحي: إن أمتك ستقتله من بعدك، ثم جاءه بتربة بيضاء، وقال: في هذه الأرض يُقتل واسمها الطف.
وتضيف الرواية أن النبي خرج والتربة في يده، يبكي، وخرج على أصحابه، فيهم علي وأبو بكر وعمر وأبو ذر، وقال لهم بصوت دامع: "أخبرني جبريل أن الحسين يُقتل في أرض الطف، وجاءني بهذه التربة".
وفي حديث أم سلمة، نقرأ ما يُصعق القلوب، وفيه "كان النبي (صلى الله عليه وآله) جالساً، فدخل الحسين، فاحتضنه النبي ومسح على جبينه، ثم أخذ ينحب، وقال: إن جبريل أخبرني أن أمتي ستقتل هذا، وناولني من تراب كربلاء".
حينها، لم تكن كربلاء موجودة على خريطة الفاجعة، لكنها كانت تعيش في دمعة الرسول "صلى الله عليه وآله"، وفي نحيبه النبوي العميق.
لم تنقل هذه الحوادث عبر رواية واحدة، بل إجماع من طرق أهل الحديث، فقد جاء عن التبريزي، وهو من كبار أهل الحديث، قوله إن "الحديث صحيح، وله شواهد كثيرة"، أما "ابن عساكر"، فقد أورد رواية مفجعة عن لحظة دخول الحسين إلى النبي "صلوات الله عليهما" وهو نائم، فقام جبريل وأخبره أن هذا الطفل سيُذبح، ثم ناوله تربة حمراء من كربلاء، وقال له "هذه التربة التي يُقتل فيها حسينك".
من هنا يبرز التساؤل حول مصدر الفرح في هذا اليوم؟ وأين دعوى التوسعة والاحتفال؟ فإذا كان رسول الله "صلى الله عليه وآله" قد بكى الحسين قبل أن يُقتل بخمسين عاماً، وبكت أم سلمة، ونشجت فاطمة الزهراء، فمن هذا الذي يزعم أن عاشوراء عيدٌ وموسم سرور؟، ومن هذا الذي يجرؤ على القول إن صوم عاشوراء شكرٌ لا عزاء؟
ولهذا يظهر جليّاً إنها خيانة للسنة النبوية نفسها، قبل أن تكون انحرافاً عن خط الحسين، ولمن إدّعى إتباع هذه السُنّة، فعليه أن يبكي كما بكى النبي "صلى الله عليه وآله".
المصدر: عبد الأمير عزيز القريشي، أصحاب الإمام الحسين بين الحقيقة والتشكيك – جدلية العدد، مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2022، ص57-60.