استعرض ممثل المرجعية الدينية العليا خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة التي اقيمت في الصحن الحسيني الشريف الدروس التربوية التي يحتاجها الفرد والمجتمع لتصحيح مسارات الحياة.
وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي اليوم الجمعة (15 /2 /2019)، ان مبدأ وثقافة النقد الايجابي البناء والموضوعي في مقابل النقد السلبي والهدام من بين اهم الدروس التربوية التي يحتاج لها الفرد والمجتمع، مبينا ان الفرد والمجتمع بحاجة ماسة لثقافة النقد الايجابي عبر النصيحة الصادقة والتقييم الموضوعي لمسيرة الحياة.
واضاف ان اي مبدأ وقيمة وفكر اذا استشعر الفرد باهميته وخطورته في حياته ومدى العطاء والمعطيات الايجابية له فانه سيكون محل اهتمامه ويعمل به، وبالعكس اذا لم يستشعر باهميته فانه لايعيره اي اهمية وعناية وسيتعامل معه بسلبية بحيث يخسر المعطيات والثمار.
واكد ان الانسان باستثناء المعصوم معرض للخطأ والزلل والعثرات والاخفاقات والفشل في حياته، وكذلك معرض للخطأ في عباداته وعلاقته مع الله او في مسيرته وسلوكه وكذلك في ثقافاته وفكره وعاداته وتقاليده وفي جميع مجالات الحياة، لافتا الى ان الخطأ يكون في بعض الاحيان صغيرا وفي احيانا اخرى يكون كبيرا يتعلق بالاخلاق او الثقافة او السلوك او العلم، وتارة اخرى يتعلق بفرد وتارة اخرى بشخص مهم او كيان مجتمعي او ثقافي او سياسي مما يترتب على ذلك اثر عظيم على الفرد والمجتمع.
واوضح الكربلائي ان الكثير من الايات القرانية والاحاديث الشريفة نبهت الى الحقيقة البشرية وطبيعة النقص في الانسان كالجهل وغلبة الهوى والشهوات واستحواذ الشيطان وعوامل اخرى تكون احيانا مهلكة للفرد والمجتمع في حال عدم تشخيصها ومعالجتها وتراكمها مستشهدا بالحديث النبوي الشريف (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)، مشيرا الى ان الفرد والكيان المجتمعي بحاجة الى تنبيه بصورة دائمية لتعريفه باخطاءه وزلاته وعثراته واخفاقاته وفشله بعد ان يشخص له الخطأ ومن ثم يتم التقويم حتى يلتفت ولايبقى في غفلة الخطأ.
ويرى ممثل المرجعية الدينية العليا ان تراكم الزلات والعثرات وغيرها وعدم معالجتها يؤدي الى هلاك الفرد والمجتمع، وان الانسان والمجتمع بحاجة لمراجعة مسيرة الحياة والتفتيش عن الاخطاء وتشخيصها بدقة لتداركها حتى لا تتراكم وتسبب مشاكل كبيرة للفرد والمجتمع.
ولفت الكربلائي الى ان الاية القرانية (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) تحمل عدة معاني، من بينها ان المؤمن بشكل دائم معرض للزلل والخطأ والعثرات والفشل وغير ذلك مما يتوجب عليه ان يكون في تنبه مستمر ويبتعد عن اللامبالاة وعدم الاكتراث لافعاله وسلوكه ومسيرته في المجتمع حتى لايقع في الغفلة، كما عليه ان لا يتهاون ولا ينظر للزلل والخطأ نظرة بسيطة او ان يتعامل معه كأمر صغير فيتهاون ويتساهل بشأنه فانه تحت رقابة الله والمحاسبة الدقيقة.
ودعا الكربلائي الى ضرورة نقد الذات، مبينا ان على الانسان مراجعة مسيرته في الحياة لتصحيحها كما ورد في الحديث عن الامام المعصوم (ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم)، مستدركا ان على الانسان ان يراجع علمه وفكره واخلاقه وعباداته وعمله وعلاقاته وعاداته وتقاليده، فان كانت صحيحة وحسنة فيحمد الله ويشكره ويطلب منه الزيادة في التوفيق، واما اذا كانت سيئة فيستغفر الله عليها.
واستوقف الكربلائي عند حديث الامام علي عليه السلام الذي جاء فيه (حق على المسلم ان تكون له ساعة لا يشغله عنها شاغل فيحاسب نفسه مم اكتسب في ليله ونهاره)، مبينا ان الامام عليه السلام يؤكد على ضرورة تخصيص ساعة لمحاسبة النفس مما اكتسبته في كل ساعة من الليل والنهار، مبينا ان هنالك مسيرة للانسان في ساعات ليله ونهاره فيكون لديه عمل وفعل وسلوك وتصرف وكلام ومعاشرة واعتقادات ومواقف عليه ان يراجعها ليتدارك الاخطاء والزلات والعثرات والاخفاق والفشل والظلم الذي سببه لنفسه او للاخرين، فيراجع ذلك ومن ثم يقومه من خلال تصحيح المسار له.
واشار الى ان النقد نوعان نقد ذاتي ونقد للاخرين، محذرا من خطورة خروج النقد عن مساره واخلاقياته الصحيحه لانه سيتحول الى معول لهدم شخصية الانسان وتحطيم علاقات المودة والمحبة بين افراد المجتمع ويحولها الى البغض والحقد والحسد، كما يحطم كرامة الانسان ويذله ويوهن من منزلته الاجتماعية.
واكد الشيخ عبد المهدي الكربلائي على ضرورة تقبل النقد والنصيحة من الاخرين اذا كانت تتوافق مع الاحكام والاخلاقيات التي بينها الاسلام، لافتا الى وجود مشكلة اجتماعية واخلاقية وفكرية تكمن في عدم تقبل النصيحة والنقد الايجابي البناء من الاخرين، مبينا ان الإنسان المؤمن يمكن ان يصحح مساره ويتدارك اخطاءه اذا كانت له نفس شفافة ومنصفة وواعية تتقبل النقد من الآخرين والنصيحة وتصلح أمرها، مستشهدا بحديث للامام الصادق عليه السلام (لا يزال الانسان بخير ما كان له توفيق من الله عز وجل، وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه).
وبين ان الانسان بطبعه يحب الثناء والمدح ويشعر بحالة الرضا عن النفس وان النقد مُشعر بالنقص، فيلاحظ لدى الاغلب انه لا يتقبل ولا يرضى ان ينتقده الآخرون ولا يعتبر النقد تقويم وتصحيح وارشاد بل انتقاص منه وتوهين لشخصيته، فيتعالى عن قبول النصيحة والنقد الصحيح من الاخرين فيقول انا اعلى من هذا او اعلى من هؤلاء، وهذا ما هو مستواه حتى ينصحني فانا لي منزلة من العلم والثقافة والوجاهة والمكانة ما يجعلني افضل من هذا الانسان الذي ينصحني.
واختتم الكربلائي الخطبة باستعراض عناصر ومقومات النقد الايجابي، مشيرا الى ان اولى تلك المقومات تتمل باتباع الاسلوب الحكيم الذي ينفذ من خلاله الناقد الى قلب (المُنتَقَد) بأن يذكر بعض ايجابياته ثم يشير الى الخطأ الذي ارتكبه دون تجريحه او اهانته، كما حصل من ارشاد بعض المعصومين (عليهم السلام) لأحد اصحابه حيث يقول له (كل شيء فيك حسن جميل إلا الأمر الفلاني)، اضافة الى اختيار المكان والوقت المناسب بحيث لا يحصل النقد بحضور اشخاص يستحي الشخص المُنتَقَد ان يظهر عيبه او خطأه امامهم او يكون مثاراً للسخرية منه او اهانته فانه حينئذ قد تثور ثائرته وينكر الامر ويتعصب مما يولد مشكلة اخرى، فضلا عن ان لا يكون النقد جارحاً ولا منتقصاً من كرامة الانسان وسبباً لايذائه فإن المُنتَقِد قد يريد النصيحة والخير ولكن ينقلب فعله الى إثم ومعصية وبذلك لا يحقق اثره، مشيرا الى ان المقوم الرابع يؤكد على ضرور تعلم اخلاقيات النقد وكيف ينقد الكبير والصغير والمثقف والعالم والجاهل والوجيه وغيره، مبينا ان النقد لا يعني التهتك والانتهاك لكرامة الانسان والتعدي على مكانته الاجتماعية، مستشهدا بقصة للامام الحسن واخيه الحسين عليهما السلام عندما رأيا شيخاً عجوزاً لا يحسن الوضوء فأرادا ان يعلمانه وهما صغيران، فابتكرا طريقة اخلاقية رائعة وحكيمة لتنبيه العجوز الى خطأه في طريقة الوضوء فسألاه ان يحكم بينهما أيهما يتوضأ أفضل من صاحبه ولما رآهما العجوز يتوضآن قال لهما : (بأبي انتما وامي، كلاكما توضأ بصورة صحيحة أما انا فلم احسن الوضوء وها انا ذا قد تعلمت منكما).