تطلّ علينا ليلة التاسع عشر من شهر الصيام سنوياً بغمامة من الحزن والأسى على فقدِ نفس رسول الله ونصيره وخليفته الشرعي من بعده، تاركةً لنا غصةً في القلب ودعاءً بأن الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، حمد الشاكرين في مصيبتنا بما جرى على آل محمد في تلك الليلة.
لم يكن لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب "سلام الله عليه"، نيل شهادة أرفع وأعلى مقاماً مما نالها في ليالي القدر المباركة وهو من وصف البار عز وجل، أمثاله من خُلّص الميامين بقوله تعالى "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا"... الأحزاب (23) ، فضلاً عن أن خير خلق الله وخاتم أنبياءه ورسله "صلّى الله عليه وآله" كان لطالما أخبر علياً بأنه سيفوز بالشهادة في سبيل الله، ففي يوم أحد تأسّف أمير المؤمنين على حرمانه الشهادة في ذلك اليوم فأجابه النبي: "إنها من ورائك"، أما في يوم الخندق حين ضربه عمرو بن ود العامري على رأسه وكانت الدماء تسيل على وجهه الشريف، قام رسول الله "صلّى الله عليه وآله" يشد جرحه ويقول له: "أين أنا يوم ضربك أشقى الآخرين على رأسك ويخضب لحيتك من دم رأسك؟".
وكان الإمام "عليه السلام" كثيراً ما يخبر الناس بشهادته واختضاب لحيته الكريمة بدم رأسه، فلم تكن تليق به نهاية غير هذه، فلا يليق بمثل علي أن يُغدر في الحرب، ولا يليق بقاتل الجبابرة ان يقتل في مبارزة فردية، فإن الصلاة وحدها هي الوقت الأمثل لعروج روحه والسجود هو اللحظة المثلى، فهو أسمى مراتب العبودية، ليتبقى عندها التاريخ فقط؟، فأي يوم يليق به؟، وما أدراك ما ليلة القدر؟
وهنا لا يسعنا إلا أن نغبط إمامنا "عليه السلام" على ما ناله من مقام في الدينا والآخرة، فكان كما وصف نفسه حقاً بقوله "فزتُ ورب الكعبة"، فيما نسأل من هو فالق الحبة، وبارئ النسمة أن يعظّم أجر مولانا صاحب الزمان والموالين في مشارق الأرض ومغاربها بذكرى جرح الإمام علي "عليه السلام"، مبتهلين الى الله أن يرزقنا زيارته دوماً في الدنيا وشفاعته في الآخرة إنه سميع مجيب.
المصادر:-
- الغدير في الكتاب والسنة والأدب -العلامة الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي، مركز الغدير للدراسات الإسلامية، قم، 1995م.
- الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)، جعفر مرتضى الحسيني العاملي، المركز الإسلامي للدراسات، بيروت، 2009م.