إنَ أهم ما يلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
وقد قصّ الله سبحانه وتعالى في كتابه المجيد جملة من أحسن قصص الأمم السابقة، ناصحاً باستنطاقها وأخذ العبرة والدروس منها، فالناظر في أخبار من سبق بتمعن كالشاهد لها، والواقف عليها كالمختبر لها، فيكتسب بذلك خبرة تغنيه عن عناء الامتحان.
وينبغي أن يتحرز الناظر في التاريخ عن التأثر بالنماذج السيئة أو التفاخر بالآباء والأجداد، فإنه يؤدي إلى التقاعس عن كسب الفضيلة وتحصيل المجد، وذلك حيلة العاجز وذريعة المتكاسل، وإنما كل امرئ ابن يومه وباني غده، فليكن عصامياً يعوّل على نفسه لا عظامياً يتشبث بذيل أمجاد آبائه، بل لا بد أن يكون مجد الآباء حافزاً إضافياً للأبناء على بذل الجهد في جميع مجالات الحياة والقيم الفاضلة.
ولا يغيبنَّ عن المرء أحوال مجتمعه وحاضره والتمعن فيها وفي سننها وأسبابها، فإنه أولى بالاطلاع من الحوادث السابقة من جهة حضورها ووضوح ملابساتها، مع ما فيه من العون على معرفة مواضع الشبهة ومواطن الفتنة ليتحرز عنها ويتبصر فيها، فإن من لم يبصر ذلك كان على حدّ الأعمى السائر في طريق محفوف بالمخاطر أو أشبه بالمنهج الرعاع ممن يتبع كل ناعق ويصغي إلى كل ناطق، وكثيراً ما يقع من حيث لا يحتسب جزءاً من مشروع لا يشهده وآلة لغاية لم يخطط لها ولا يرى مشروعيتها.
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص22.