على الرغم من حالة الذعر التي تنتاب العالم اليوم بسبب الإنتشار السريع والخطير لفيروس "كورونا"، إلا أن هذا الوباء لم يكن الأخطر أو حتى الأعلى من حيث عدد الوفيات مقارنةً بأوبئة سابقة أصابت البشرية عبر التاريخ المسجّل.
ومن بين أشد هذه الأوبئة فتكاً إن لم يكن أشدها على الإطلاق هو وباء "الإنفلونزا الإسبانية" الذي أشار إليه "مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها" أو "CDC"، بأنه "أصاب أكثر من (500 مليون) شخص أي ما يعادل ثلث سكّان الكوكب حينها، فيما قُدّرت أعداد ضحاياه بما يتراوح بين (50-100 مليون) شخص حول العالم"، متفوقاً بذلك على ضحايا الحرب العالمية الأولى، وأضعاف حالات الوفاة الناجمة عن مرضيّ الإيدز والطاعون مقارنةً بفترة العدوى.
ومن المفارقات الواردة عن وباء "الإنفلونزا الإسبانية"، أن أولى الإصابات المسجلة به لم تكن في إسبانيا كما يشير أسمه، وإنما كانت في الولايات المتحدة الأمريكية وتحديداً عن طريق أحد جنودها العائدين من الحرب والذي يدعى "ألبرت ميتشيل" من ولاية "كانساس"، إلا أنه قد تم التعتيم على الخبر بسبب ظروف الحرب العالمية الأولى الدائرة آنذاك كما حصل في دول أخرى عديدة مشاركة فيها، إلا أن إسبانيا ذات التوجّه المحايد في تلك الحرب، كانت الأولى في إعلان أولى الإصابات بالوباء في شهر آيار سنة 1918، مع أنه كان يُشار اليه آنذاك من قبل الصحافة الإسبانية بأسم "الإنفلونزا الفرنسية"، نظراً لدخول أولى الحالات المصابة به من أراضي الجارة فرنسا.
ومما كشفته المصادر بعد إنهاء حالة التعتيم على أعداد المصابين بهذا الفيروس، أن نصيب الولايات المتحدة من الإصابات كانت (نصف مليون) شخص على أقل تقدير، فيما تسبب في الوقت ذاته بتغيير متوسط أعمار مواطنيها من (51) سنة في 1917، الى (39) سنة في 1918، أي (12) سنة خلال عام واحد فقط من دخول هذا الوباء إلى أراضيها، فيما أدّى الفيروس أيضاً الى وفاة (17 مليون) شخص في الهند، أي بما يعادل (5%) من مجموع سكّانها آنذاك، وبنسب تصل الى (90%) في المجتمعات القروية والمناطق الشعبية بسبب حالات الإزدحام والتقارب الاجتماعي فيها.
يذكر أن أعراض هذا المرض كانت تبتدأ بحمى قاسية، متبوعةً بنزيف في الأنف وإلتهاب رئوي حاد مع إزرقاق في الجلد، لتمتلئ بعدها الرئتيّن بالسوائل، مما يؤدي الى إصابة المريض بما يشبه حالة "الغرق" ووفاته خلال ساعات أو أيام حسبما أشارت مذكرات العديد من الأطباء الأمريكان المشرفين على حالة مواطنيهم المصابين في تلك الفترة.
المصادر: