مما لا شك فيه أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان عندما يستشهد من ولده واخوته وأبناء أخوته وخاصته وأصحابه المنتجبين لم يتركهم في حومة الميدان، وإنما كان يأمر بحملهم إلى الفسطاط المخصص للشهداء، وهذا وإن لم نجده صريحاً في كل واحد من المستشهدين إلا أن التأمّل فيما يؤثر في الواقعة الاليمة، إنَّ جسداً واحداً تركه قرب الشريعة وهو جسد ابي الفضل العباس (عليه السلام)، بالرغم من كونه حامل لواءه وحامي عياله وكافل فخر المخدرات زينب ابنة علي (عليهما السلام).
والسؤال المهم هو: ما السر في إبقاء الإمام الحسين (عليه السلام) جسد أخيه ابي الفضل العباس (عليه السلام) وهو مقطع الأجزاء في نفس مكان استشهاده؟
نعم، مما لا شك فيه أنّه (عليه السلام) ترك أخاه العبّاس في محلّ سقوطه قريباً من المسنّاة، لا كما يمضي في بعض الكتب من كثرة الجروح وتقطع الأوصال فلم يقدر على حمله، لأنّ في وسع الإمام أن يحرّك ذلك الرجل المبضع إلى حيث أراد ومتى شاء.
وإلا لما قيل: من أن العبّاس (عليه السلام) أقسم عليه بجده أن يتركه في مكانه لأنه وعد سكينة بالماء ويستحي منها لعدم الشاهد الواضح على كُل منهما.
بل إنّما تركه لسرّ دقيق لا يخفى على المتأمّل ومن له ذوق سليم، ولولاه لم يعجز الإمام عن حمله مهما يكن الحال، وقد كشفت الأيام عن ذلك السرّ المصون وهو: أن يكون له مشهد يقصد بالحوائج والزيارات، وبقعة يزدلف إليها الناس، وتتزلّف إلى المولى سبحانه تحت قبته التي تحاكي السماء رفعة وسناءً، فتظهر هنالك الكرامات الباهرة، وتعرف الأُمة مكانته السامية ومنزلته عند اللّه، فتقدره حقّ قدره، وتؤدي ما وجب عليهما من الحب المتأكد، والزورة المتواصلة، ويكون (عليه السلام) حلقة الوصل بينهم وبين اللّه تعالى، وسبب الزلفى لديه.(1)
فشاء الله سبحانه وتعالى، وشاء وليه وحجته أن تكون منزلة أبي الفضل العباس (عليه السلام) الظاهرية شبيهة بالمنزلة المعنوية الأخروية، فكان كما شاءا وأحبا، فسلام الله عليك وعلى اخوتك الأربعة المستشهدين بين يدي ابي عبد الله الحسين (عليه السلام) ورحمة الله وبركاته.
..................................................................
المصدر: الدمعة الساكبة 4: 324/ بتصرف.