بجاذبية الشيخ الوحيد البهبهاني، وشخصيته العلمية الفريدة، ونشاطاته التدريسية والبحثية المكثفة؛ صارت كربلاء مركز استقطاب للعلماء وطلاّب العلم والمعرفة، وتحوَّلت حوزتُها إلى ساحةٍ تعجُّ وتزخر برهطٍ كبيرٍ من العلماء والفقهاء والمحققين.
ففي عهد الشيخ البهبهاني؛ فُتِحت صفحة جديدة من التحقيق، والبحث الاستدلالي، والمنطق البرهاني. وأصبح للفقه إطارُهُ العقليُّ المحدد، إلى جانب إطارِهِ النقليِّ، وتحددت الرؤية ووضح بالكامل مبدأ الاجتهاد الأصولي، وبذلك تكون حوزة كربلاء قد أسدت خدمةً كبيرةً لمسيرة الفقه الاجتهادي الأصولي، باحتضانها شخصيةً علميةً فريدةً مثل الشيخ الوحيد البهبهاني، ومن ثم انتقالها إلى النجف مع تلامذته الذين انتقلوا إليها في المراحل اللاحقة.
ويأتي في مقدمة الصفوة من تلامذته السيد محمد مهدي بحر العلوم الذي كان معيناً لا ينضب، حتى أنه اشتهر بعلمه الغزير؛ ولذلك لُقِّبَ ببحر العلوم.
وُلِدَ في كربلاء سنة 1155هـ، ودرسَ في حوزتِها، وتتلمذ على يد أستاذه الكبير الوحيد البهبهاني، مستوعباً أفكاره الاجتهادية.
ومن تلامذته أيضاً، المحقق النابه، العالم الشيخ محمد مهدي بن أبي ذر النراقي، أحد الأعلام المجتهدين في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين. له مؤلفات عديدة، منها: (جامع السعادات) و (معراج السعادة) و (معتمد الشيعة) و (مشكلات العلوم) و (الخزائن).
وعندما فرغ الشيخ النراقي من دراسته في حوزة كربلاء، عاد إلى بلاده، فاستقر في بلدة كاشان، وأسس فيها مركزاً علميّاً كبيرا، ثم عاد إلى العراق، وتُوفي بالنجف سنة 1209هـ.
ومن مشاهير تلامذة الشيخ البهبهاني، العالم الرجالي الشيخ محمد بن إسماعيل بن عبد الجبار بن سعد الدين المازندراني الحائري، صاحب (منتهى المقال). ولد بكربلاء سنة 1159هـ، وتوفي فيها سنة 1215هـ. تتلمذ على يد أستاذه الشيخ الوحيد البهبهاني، والسيد علي الطباطبائي صاحب الرياض. وله من المؤلفات كتاب (منتهى المقال في أحوال الرجال) المعروف بـ (رجال أبي علي). وقد ألَّفَهُ بإشارة من المحقق السيد محسن البغدادي، وعلَّقَ عليه أستاذُهُ البهبهاني. وقد اشتهر الكتاب في عصره؛ لاشتماله على تعليق الشيخ البهبهاني.
وللشيخ المازندراني مؤلفات ومصنفات عديدة أخرى منها: (رسالة عقد اللآلىء البهية في الرد على الطائفة الغبية) وكتاب في الرد على صاحب (نواقض الروافض).
المصدر: نور الدين الشاهرودي، تاريخ الحركة العلمية في كربلاء، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، 1990م، ص132 -134