هو السيد إبراهيم بن محمد باقر بن عبد الكريم بن نعمة الله الموسوي القزويني الحائري، فقيه مجتهد وأحد أعاظم العلماء المحققين، ومن مشاهير المدرسين الأصوليين. وُلِد في قزوين في ذي الحجة عام 1214 هـ، كما أرَّخ ذلك بخطه.
انتقل مع والده من قزوين إلى كرمانشاه، حيث أتم مبادئ العلوم على يد علمائها، ثم هاجر إلى كربلاء مجاورا بالحائر الحسيني، تتلمذ هناك على السيد علي الطباطبائي صاحب كتاب الرياض في أواخر أيامه، ثم لازم دروس المولى محمد شريف المازندراني الحائري المعروف بـ "شريف العلماء" (المتوفى 1246 هـ) في أصول الفقه، كما قرأ على السيد محمد المجاهد، صاحب المناهل ومفاتيح الأصول، الذي شجّعه على التأليف في الفقه وزوّده ببعض الكتب الفقهية اللازمة.
بعد ذلك، هاجر إلى النجف الأشرف لحضور دروس الفقه عند الشيخ علي بن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء، وكذلك درس عند أخيه الشيخ موسى، وبعد أن نال قسطا وافرا من العلوم، عاد إلى كربلاء وشرع في التدريس خلال حياة أستاذه شريف العلماء، سرعان ما اشتهر في الأوساط العلمية بعمقه في البحث ودقة النظر، حتى اجتمع في مجلس درسه نحو مائة طالب.
وبعد وفاة أستاذه، استقلّ بالتدريس في مسجد مدرسة حسن خان، المتصلة بالصحن الحسيني الشريف، حيث كان يحضر دروسه بين سبعمائة إلى ألف طالب، كان يدرس درسين؛ أحدهما في الأصول والآخر في الفقه، وأحيانًا كان المسجد يمتلئ بالحضور حتى تُفتح الأبواب ليجلس الطلاب في صحن المدرسة، ممتلئا إلى قريب نصفه|، تميّز مجلس درسه بإفساح الفرصة للطلاب للمناقشة الحرة، وتخرج على يديه عدد كبير من العلماء والمجتهدين الأفاضل وأصحاب الرأي والفتوى.
تخرّج على يديه عدد من العلماء البارزين الذين أصبحوا من كبار الفقهاء والمجتهدين، وكان لهم أثر كبير في الساحة العلمية والدينية. من أبرزهم الشيخ زين العابدين البارفروشي المازندراني الذي انتهت إليه الرئاسة الدينية في كربلاء، والسيد محمد باقر الخوانساري صاحب روضات الجنات، والسيد حسين الترك، والسيد أسد الله بن حجة الإسلام محمد باقر الأصفهاني، والشيخ مهدي الكجوري، والميرزا محمد بن سليمان التنكابني صاحب قصص العلماء. كما تتلمذ عليه الحاج محمد كريم اللاهجي، والشيخ عبد الحسين بن علي الطهراني الحائري، وملا علي محمد التركي، وملا علي الكني، وميرزا محمد حسين الساروي، وميرزا محمد محسن الأردبيلي، وميرزا صالح، وميرزا رضا الدامغاني. ومن تلاميذه أيضًا الشيخ محمد طاهر الكيلاني، وملا محمد صادق التركي، وآقا جمال المحلاتي، والسيد أبو الحسن بن علي بن عبد الباقي التنكابني القزويني، ومحمد صالح بن محمد مهدي النوري الحائري، والشيخ حسين الأردكاني، والشيخ عبد السميع اليزدي الحائري، وغيرهم من العلماء الذين كان لهم أثر واضح في العلوم الشرعية. كما كان له دور بارز في بناء سور مدينة سامراء.
ترك السيد إبراهيم القزويني العديد من المؤلفات القيّمة في الفقه والأصول، والتي تدل على عمق تحقيقه وسعة علمه، من أبرز مؤلفاته كتاب دلائل الأحكام في شرح شرائع الإسلام، وهو شرح استدلالي لم يخرج منه إلا كتاب القضاء والشهادات وقليل من الوقف. وله أيضًا كتاب دلائل العباد الذي يتناول أبحاث القضاء. كتب رسالة في حجية الظن، ورسالة في صلاة الجمعة، ورسالة في الطهارة والصلاة والصوم، إضافة إلى نسخة أخرى من هذه الرسالة باللغة الفارسية، ومن مؤلفاته أيضًا رسالة في الغيبة تناول فيها حكم اغتياب المؤمن لأخيه، ورسالة في القواعد الفقهية جمع فيها خمسمائة قاعدة فقهية، كما كتب رسالة بعنوان زينة المتقين، وهي رسالة عملية باللغة الفارسية.
يُعدّ كتابه ضوابط الأصول من أهم مؤلفاته، حيث اشتمل على المباحث الأصولية بتفصيل ومناقشة دقيقة، وقد دونه أثناء دراسته لكتاب معالم الأصول، ثم أعاد النظر فيه وكتبه في مقدمة وفصول وخاتمة. وله أيضًا كتاب القضاء، وكتاب مستثنيات الغيبة، وكتاب مناسك الحج. كما ألف كتاب نتائج الأفكار، وهو مختصر لكتابه ضوابط الأصول، وقد كتبه أثناء زيارته للعسكريين في سامراء، وأتمّه سنة 1253 هـ.
توفّي السيد إبراهيم القزويني في كربلاء سنة 1264 هـ، وقيل 1262 هـ، ودُفن في مقبرة بجانب داره، قريبًا من المشهد الحسيني الشريف.
راجع
السيد محسن الأمين،اعيان الشيعة،دار التعارف للمطبوعات، بيروت،ج2،ص204