يُعدُّ الشيخ يوسف البحراني أحد أعلام الفكر الديني والفقهي في التاريخ الشيعي، وقد وُلد عام 1107 هـ (1695 م) في قرية الماحوز بالبحرين في أسرة عريقة لها جذور من قرية دراز، إذ هاجر والده من دراز إلى الماحوز لإكمال دراسته على يد كبار العلماء مثل الشيخ سليمان الماحوزي، نشأ في بيئة تربوية غنية، حيث تعلم القراءة والكتابة وتلاوة القرآن على يد والده وجدّه، مما شكل الأساس الذي انطلقت منه مسيرته العلمية المتميزة، بعد تعليمه الأولي في البيت، انتقل إلى القطيف حيث درس على يد الشيخ حسين الماحوزي، الذي كان له بالغ الأثر في صقل معارفه وتطوير مهاراته في علوم الحديث والفقه وعلوم الرجال، وحصل على إجازات في الرواية من عدة مشايخ كبار، مما أكسبه القدرة على أن يصبح مرجعاً للطلبة والباحثين في مناحي العلوم الشرعية.
واجه الشيخ يوسف البحراني العديد من الاضطرابات السياسية والعسكرية، فقد شهدت حياته حروباً قبلية وهجمات عسكرية، لا سيما الهجمات العمانية على البحرين، مما أجبره على التنقل بين البلدان، بدأ رحلته بالانتقال إلى القطيف، ثم سافر إلى إيران حيث عاش في مدن مثل كرمان وشيراز واستقر بها لفترة من الزمن، قبل أن يتوجه إلى العراق ويختار كربلاء مقرّا أخيرا لمسيرته العلمية، وقد أسهمت هذه التنقّلات في إثراء شبكته العلمية ونقل التراث الشرعي بين المراكز الثقافية والروحية المختلفة.
على الصعيد الفكري، تميّز الشيخ يوسف بالتمسك بالمنهج الإخباري في استنباط الأحكام الشرعية، حيث اعتمد على نقل الروايات والأحاديث مع إبراز الأدلة القرآنية والروائية دون اللجوء إلى العقلانية الصارمة التي يتبناها التيار الأصولي، وقد دارت بينه وبين عدد من علماء هذا التيار مناظرات علمية طويلة، ومن أشهرها تلك التي جمعته بالشيخ الوحيد البهبهاني، مما ساهم في تحديد ملامح الخطاب الفقهي وتطويره في تلك الحقبة.
كان لإسهاماته العلمية أثرٌ بالغ من خلال مؤلفاته العديدة والتي بلغت اكثر من 40 مؤلفاً ما وأبرزها كتاب (الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة) الذي يُعتبر حجر الزاوية في المكتبة الفقهية الشيعية، إذ جاء هذا العمل الضخم في 25 جزءا موزعة على 26 مجلداً تقريباً، جامعاً لجميع النصوص والأحاديث المتعلقة بمسائل الفقه المبنية على تراث آل البيت عليهم السلام، ولم يتوقف عمله عند هذا الكتاب فحسب، بل ترك أيضا مؤلفات هامة مثل (الدرر النجفية من الملتقطات اليوسفية) التي تُناقش أصول الفقه والاستنباط، و(لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرتي العينين)الذي يعد مصدراً مهماً في تراجم العلماء وعلوم الرجال، إضافة إلى أعماله في الرد على الشبهات مثل (سلاسل الحديد في تقييد ابن أبي الحديد) و(كشف القناع عن صريح الدليل في الرد على من قال في الرضاع بالتنزيل)، تميزت مؤلفاته بالعمق الفكري والأسلوب الأدبي الراقي الذي يعكس اجتهاده وحرصه على تقديم أدلة شرعية متينة.
لم يقتصر دور الشيخ يوسف البحراني على التأليف فحسب، بل كان أيضًا مدرسا نشطًا، إذ أسس في كربلاء حلقات دراسية متميزة في علوم الحديث والفقه، واستمر في التدريس لمدة عشرين سنة تقريباً، مما ساهم في تشكيل جيل من العلماء الذين أصبحوا فيما بعد من روّاد الفقه الشيعي مثل السيد علي الطباطبائي (صاحب الرياض) والشيخ أبو علي الحائري، والمحقق القمي، والسيد أحمد الطالقاني النجفي، وغيرهم، وقد لعب نشاطه التدريسي دورا رئيسيا في نقل المعرفة الشرعية وتثبيت النهج الإخباري في الأوساط العلمية الشيعية.
اختتمت مسيرته العلمية بوفاته في كربلاء عام 1186 هـ (1772 م) عن عمر يناهز حوالي 75 سنة، حيث صلى عليه الشيخ الوحيد البهبهاني بناءً على وصيته، ودفن بجوار مرقد الإمام الحسين(عليه السلام) في الحائر الحسيني الشريف، وقد أقيمت له مجالس التأبين والفواتح في كربلاء وسائر البلاد الشيعية، يظلُّ إرثه العلمي والأدبي مرجعًا قيما للباحثين والطلبة، حيث تُدرّس مؤلفاته وتُنقل خبراته عبر الأجيال، مما يؤكد دوره البارز في تشكيل التراث الفقهي والحديثي في العالم الشيعي.
راجع
السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة،دار التعارف، بيروت،1983 ،ج 10 ،ص317
زين العابدين سعد عزيز