بذكر كربلاء تذكر الشهادة، وبذكرها تذكر الحضارة، وبذكرها تذكر الاقوام السالفة، إذ لا توجد ناحية من نواحيها إلا وفيها مكان للأقوام السالفة على مر العصور، فهي حاضنة ومأوى الناس منذ القدم، ولم تتوقف عنها الأجيال مادام للأجيال حضور على وجه المعمورة؛ لأنها خلقت لتؤدي هذه الوظيفة.
فلا استغراب عندما نتحدث عن أحد نواحيها أو قراها أو أقضيتها، نجد أنها حاضرة سابقة لعديد من الأقوام، وآثارهم الباقية تخلد هذا التاريخ العظيم للإنسانية على هذه الأرض الطاهرة.
ففي جانب مدينة كربلاء الشرقي حيث تشرق الشمس، كأنها تقود النهر نحو منبع الشهادة ليروي ظمأه، من مرقد سيد الشهداء، يقع ذلك القضاء الأخضر، الذي يحتوي على الأطلال الشاخصة، التي لا تزال آثارها تقارع النسيان ببروز أطلالها، فهي تلال تحمي بعضها البعض من عاديات الزمن؛ لتعلم الأجيال عمق مدينتهم، واطوارها التاريخية التي تبدأ من العصر الفرثي القديم منذ عام 138 ق.م، حتى بداية الحكم الساساني عام 227م، واستمرت هذه الحاضرة في الحضور، فدخلها العرب عند وصولهم للعراق في سنة 633م، ورغم تلك العصور لم تفقد أهميتها، استوطنها المسلمون، وهذا ما أكدته دائرة الآثار في دليل المواقع الاثرية، عندما سجلته في جريدة الوقائع العراقية بالعدد 2120 الصادر بتاريخ 11/ 1/ 1943.
وهناك محاولات خجولة لتنقيب تل العطيشي، منها التي جرت في سنة 2008، اكتشفت أن بعض الجدران كانت مشيدة بالطوب، والبعض الاخر من الآجر، فيما أشارت إلى وجود ارضيات من الفرشي ومجموعة من الافران الفخارية؛ لصنع الخبز، كل هذا على عمق متر واحد من التل الذي يرتفع عن مستوى الأرض المحيطة به ما يقارب السبعة أمتار، وبعد أن تم الحفر على عمق 190سم، تم العثور على مجموعة مشابهة من الجدران تشكل مجاميع كبيرة من الحجرات والممرات، كما تم العثور على هياكل عظمية حديثة الدفن على الطريقة الإسلامية. ومن الجهة الشرقية للموقع كشفت البعثة التنقيبية قناة مائية مشيدة بالآجر يبلغ عرضها ربع المتر، ولها ملحقات وتفرعات تدل على المستوى الحضاري الذي وصل إليه سكان تلك المستعمرة الغنية بثرواتها وسكانها. وليس ببعيد عن هذه المستوطنة يوجد مركز القضاء وسوقه، تحيط بهما البساتين التي تنتج الثمار المتنوعة وترفد بها مدينة كربلاء.
ما ذكر سالفا ليس نهائي، فتحت هذا التل يختبئ التاريخ، وتنام كنوز المعرفة المتعلقة بهذه الحاضرة، وهي بحاجة إلى من يوقظها ويحييها من جديد، فما جرى من محاولات لاكتشافها لا يليق بتاريخها، ولا يليق بالأراضي المجاورة لها، وهي تحتضن عشرات المواقع الأثرية، عاشت بها أقوام مختلفة منذ أزمنة قديمة.
والسؤال الذي يبحث عن إجابة، أين الدوائر المعنية من هذه المواقع الأثرية المهمة؟ أين التكنلوجيا الحديثة إذا ما استعملت بالشكل المطلوب، لتساعد على إظهار المعلومات عمّن سكن هذه المواقع من كربلاء؟ إلى متى تبقى حبيسة المعرفة؟ وها نحن ندعوكم إلى عمل جاد ومخلص يعطي حق مدينة كربلاء بما تحويه من كنوز آثارية متنوعة، تعود إلى أزمنة مختلفة.