کربلاء مدينة الأصالة والحضارة العريقة في ربوع البلاد العربية، ومشهد الفداء الالهي الذي سما بتضحية الامام الحسين(عليه السلام) الرمز الديني والفكري والانساني الحر لكل بني البشر، فأضحت کربلاء ملهمة للأجيال وعبرة للأحرار في أصقاع المعمورة، اذ رسخت في أذهان الناس صورة الصراع الأبدي بين الخير والشر، يقول الإمام الحسين (عليه السلام): (ان الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها ولم يبق منها إلا صبابه صبابة الإناء وخسيس عیش كالمرعي الوبيل ألا ترون إلى الحق لا يعمل به والى الباطل لا يتناهی عنه) فاختارت العناية الإلهية أن يكون الفداء عن طريق الحسين (عليه السلام) أرض كربلاء، فرمزيتها الحرة ظلت على مر السنين تقرع ناقوس الخطر على الطغاة وارباب الفساد.
ويشير الأمام بقوله: ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد) وقد کثرت محاولات طمس معالمها وآثارها الثورية والفكرية بأبشع الوسائل، وبذل الجهد والمال على مر الزمان لمحو ذكرها لعل ضياءها ينطفئ في نفوس العالمين.
ولكن عبارات الحزن التي تدفقت في وجدان محبي الرسول الأعظم ة وآل البيت أبت إلا أن ترسم طريق ديمومتها وتواتر ذکرها، فراح العديد من الباحثين يدلون بأقلامهم في تسجيل ما يستطيعون لينوروا العالم بتاريخ كربلاء، منذ أقدم الأزمان حتى يومنا هذا واظهارها بما یلیق ومكانتها الدينية والحضارية المشرقة.
لقد تعددت البحوث والكتب في أدارج المكتبات التي تتناول قصة كربلاء، غير انه على الرغم من تلك الجهود المحمودة لم تزل هذه المدينة تفتقر إلى الدراسة الشمولية الأكاديمية الرصينة، ومن أجل ذلك شرعت العتبة الحسينية المقدسة متمثلة بمركز كربلاء للدراسات والبحوث بكتابة موسوعة كربلاء، وفق منهج يتفق والاهداف المخططة للموسوعة وستراتيجية الهيأة المسؤولة عن اصدارها، اخذين بالحسبان الكتابة بموضوعية وحيادية الباحث الدقيقة، والعودة إلى خبرة من سبقنا في كتابة الموسوعات.
المصدر/ موسوعة كربلاء الحضارية، المحور الاجتماعي، ج1، ص12